جعفر الخابوري المراقب العام
عدد المساهمات : 11813 تاريخ التسجيل : 16/02/2010 العمر : 54
| موضوع: صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري السبت يوليو 22, 2023 11:33 am | |
| اكتشاف رداء جديد
بقلم: بكر أبو بكر
كان التغيير الأول في شخصيتي وحياتي هو الانتقال من مجال الهندسة المدنية إلى المسار النضالي في إطار الحركة الثورية، ولم يكن ذلك بالقرار السهل.
لم يكن قرارًا سهلًا أبدًا فأنت تترك علمًا درسته لسنوات خمس، وعمل ميداني بمجال الهندسة قصير لم يتعدى العامين فقط، لتضع كل ذلك خلف ظهرك وما كان يعنيه من ثروة وغني يعتمد على البراعة في العمل وعلى السوق وترقي المهندس كلما زادت سنوات خبرته.
كنت أعلم نتائج مثل ذلك القرار، ولكن المسار الجانبي كان قد تغلب على المسار الرئيسي بإرادتي -ثم أصبح هو الرئيسي- الذي سخّرت له 3 مقومات رئيسة هامة:
الأولى الايمان والقناعة التامة بضرورة أن تكون منكم أمة تدعو، وتمارس عملية التحريض والتثقيف والبناء والحث والعطاء في سياق العملية النضالية وبالمنطق الذي يأخذ بالتفرغ الكامل.
اما ثانيًا فلقد مارست العمل النضالي الطلابي داخل الجامعة وخارجها ومن خلال السفرات المتعددة لمؤتمرات الشبيبة في عديد البلدان، وفي لقاء القيادات الطلابية والسياسية في المقر العام في تونس
أما ثالثًا فلقد كان للقراءة العميقة والمكثفة وفي اتجاهات شتى ذات صلة بالمسار أهمية الدعم بتقوية هذا المسار مما جعل من تبنيه لا بد منه، أي أنني بإرادتي كثفت في ذاتي عوامل الانتقال والانعطافة الجديدة الثلاثة واضعًا الهدف بوضوح أن أكون في المحيط النضالي المتفرغ كليًا لهذا العمل.
لم يكن الانتقال من مهنة الهندسة الى (مهنة) العمل الوطني ضمن الإطار الحركي سهلًا على المحيطين بي والفخر بالمهندس أوقع وأكثر تأثيرًا، ولكن كان المسار قد أنجز ولا بد من القرار، والقرار صدر ولابد من الانتقال.
إن خطوات التغيير أو الانتقال خالطها عديد الصراعات المركّبة ما بين الشخصي والعائلي والمحيط والتداخلات الكثيرة خاصة في مرحلة بداية الانطلاق.
التغيير الخارج عن الإرادة كان في الاستقرار بعيدًا عن فلسطين لسبب الاحتلال الصهيوني لباقي الوطن عام 1967 فكانت الكويت، ثم كان التغيير للسبب القهري اللاحق هو الغزو العراقي للكويت عام 1990 وما خالطه الكثير الذي ممكن أن نقوله لاحقًا.
ولكن سنركز هنا على مركب التغيير، وهو أصل مقالنا، إذ أن هذا المتغير الداهم كان يضعني بين خيار البقاء في تلك البلاد وتقلّص مفعول العمل الوطني الى الحد الادني وهو ما كان، أوالخروج لفضاء العمل الوطني القادم من مقر القيادة في تونس. وكان هذا هو الهدف في إطار هذه النقلة الجديدة أو القفزة.
مما لا شك فيه أن انتقال العائلة الكبرى عائلة والدي، وعائلة أهل زوجتي، وعدد من الأخوة الأعزاء المقربين الى الخارج خارج الكويت، كانت من الدوافع أيضًا للخروج فكان ذلك، ومن عمان ثم الى تونس.
لم تكن هذه لتمثل نقلة في الشخصية، وإنما في مسار النضال ومكانه فقط، استطيع القول أن التغيير الثاني قد جاء في أتون النظر في طبيعة الفعل النضالي في تونس واستنادًا للعوامل الثلاثة ذاتها التي انتقلت بي من الهندسة الى النضالي فكان ضمن النضالي من المهم أن يختط المرء مسارًا ما، يخصّه ويميزه ويعلن عن وجوده أو مكانته.
طبيعة الفضاء السياسي والتنظيمي في تونس لم تكن تعجبني كثيرًا، وطبيعة الأعمال التي يقوم بها الأكثرية لم تكن تتوافق مع الترتيب الذي أردته لشخصيتي، فخضتُ ثانية الصراع بين الفعل المتواصل في تونس المركّب من اجتماعات وقرارات وسفرات ولقاءات ومهرجانات...الخ وبين أن اختط مسارًا آخر جانبيًا، وهو ما كان.
ركّزت في إطار المسار الكفاحي على المسار التثقيفي السياسي الفكري، وقررت أن اتجه بذات الوقت نحو الأدب فكانت المجموعة القصصية الأولى إنطلاقًا من تونس التي قدم لها طيب الذكر الكاتب المبدع العراقي عبدالرحمن مجيد الربيعي رحمه الله وهو الذي كان يخوض مشواره في إطار الثورة من منفاه في تونس. فكان أن دققتُ بوابته الواسعة، وأقرّني على المسار القصصي الأدبي بعد قراءة للمجموعة القصصية الأولى المسماة: لم لا! رحمه الله، فلقد عاد في أواخر عمره من تونس الى مدينة الناصرية في العراق مصابًا بمرض الزهايمر ليتوفي غير مدرك أنه عاد الى مسقط رأسه العظيم.
النقلة أو الانعطافة في شخصيتي هنا دخلت عليها طبيعة الحوارات والنقاشات، ومن مضمون السفرات والتي الى النقاط الثلاث آنفة الذكر أسست لمسار الكتابة الابداعية بعد أن كانت تجاربي الأولى بالكويت قد سبقت تونس بكثير، ولكن في سياق المحاضرات والدراسات والمقالات المختلفة.
ترافقت هذه النقلة باتخاذ مسار التثقيف والفكر والتدريب واعداد الكوادر منهجًا، الى جانب الكتابة أيضًا بالسياق الأدبي القصصي. وأن يكون ذلك معًا لم يكن ليعجب الاخ أبوماهر غنيم مسؤول التعبئة والتنظيم في فتح الذي رأى ضرورة التركيز على اتجاه واحد مما سبق، ما لم أفعله حيث أظنني مازجت بين كل المكونات أي العلمية المستمدة من طبيعة الدراسة الاولى أي الهندسة، ثم مع الخيار الذي يربط الدراسات والبحث والإدارة والتدريب مع المنشورات الأدبية القصصية.
في قلب المسار أو الإطار النضالي ظهر لي أن الرداء الذي يحتويني هو رداء النضال السياسي ولكن ضمن الفكر السياسي والفكري التثقيفي لاسيما أن عدد –وإن كان قليل-من المفكرين الفلسطينيين والعرب كان قد ترك بصمته الواضحة على هذا المسار ومن أبرزهم خالد الحسن في الإطار الفلسطيني وصلاح خلف وثلة من المفكرين العرب. إذن كانت النقلة في ذات المسار هذه المرة أكثر سلاسة فهي بمثابة اكتشاف رداء جديد فما كان الا أن لبسته. (وسنتابع)
اقرأ أيضا | |
|