المهندسة اليهودية اليمنية نجاة النهاري “
تقول : “الأكوع” علمني الصدقة فأضحكته سذاجتي وأبكاه رحيلي !!
كنت بعمر أقل من سبع سنوات و أقف قرب رجل في حارتنا يدعى القاضي/محمد الأكوع ؛ حين طلبت منه إمرأة عجوز صدقة .
وبالصدفة وقعت عيناه عليّ وكنت أمسك قطعة نقدية فئة خمسة ريالات وأعبث بشفتي بها ،
فقال لي : هاتي الخمسة للعجوز … وكان رجل مرح يحب ملاطفة الاطفال .
إبتسمت وقلت له: مابش معي إلاّ هي .. فقال لي : أنني لو تصدقت بها لفقير - فإن الله سيرجعها لي عشرة أو حتى عشرين ريال ، وظل يغريني ويحاول إقناعي حتى وجدت نفسي أمد يدي بالخمسة للعجوز … لكنه كان يركز نظره الى وجهي ليقرأ مشاعري بعد أن خسرت الخمسة ، وكنت أكاد أبكي فأبي لم يكن يعطيني خمسة إلا مرتين أو ثلاثة بالاسبوع …
ضحك القاضي وأخرج من جيبه ورقة نقدية فئة (20) ريالاً
وقال لي : خذيها مش قلت لك أن الله يرجع الصدقة للفقير ضعف !!!
ترددت في أخذها ، فالعشرين مبلغ كبير لم أكن أملكه إلاّ في عيد المسلمين ..
لكنه دسها في يدي وهو مبتسم ويداعبني ، فطرت بها الى البيت وفرحي لا يوصف !!
بعد اسبوعين تقريباً دخل حارتنا رجل فقير وكانت عندي خمسة ريالات ؛ فتذكرت كلام القاضي الأكوع وهرعت نحوه وتصدقت بها…
بعدها بقيت أغلي بداخلي بإنتظار أن يعيد الله لي الخمسة - عشرين ريال ..
وعندما حل أذان المغرب كنت أدعو الله ان يعيد لي الخمسة حتى بدون زيادة ، لكن دون جدوى ، فشعرت انني خدعت!!!
اليوم التالي وأثناء عودتي من المدرسة ظهراً لمحت شيئاً كأنه فلوس ، انحنيت فإذا بها ورقتين فئة عشرين ريال ..
فرحت وقلت في نفسي أن الله أرجع لي الصدقة ، لكنني اكتفيت بأخذ ورقة واحدة وتركت ورقة العشرين ريال الأخرى على الأرض وهرولت الى البيت..
عصر نفس اليوم رأيت القاضي الأكوع عائداً من المسجد فقطعت طريقه وسردت له ماحدث معي بالتفصيل وهو يصغي مبتسماً..
ثم سألني لماذا تركت ورقة العشرين ريال الأخرى ؟
فقلت له : أنني عرفت ان الله ارسل العشرين الثانية لبنت ثانية في الحارة تصدقت مثلي فتركتها لها …
إنفجر القاضي ضحكاً من طريقة تفكيري ،
وأخبر ناس آخرين بما فعلت ؛ فضحكوا ايضاً بصوت عالي ،
وظل القاضي كلما يراني ينفجر ضاحكاً ، وبين الحين والاخر يعطيني خمسة أو عشرة ريالات ويقول لي ان الله يحبني ويرسل لي معه فلوس وجعالة..
ومن يومها تعودت أن اعطي الفقراء اي شيء مما عندي .
في يوم مغادرتنا صنعاء للهجرة الى إسرائيل - كانت زوجته وبناته يبكين لاجلنا ،
ولأول مرة في حياتي رأيت دموع في عيني القاضي الذي لم تكن تفارقه الابتسامه..
لم أكن أعرف قيمة ذلك الموقف ؛ لكنني بعد أن بلغت الرشد ؛ أصبحت أتذكر تفاصيل كل شيء وأتألم كثيراً جداً على خسارة شعب طيب يحب الله ، ويحبه الله !!!
*المهندسة نجاة النهاري
يمنية يهودية مهاجرة