الشيخ عيسى أحمد قاسم «1»
عفاف الجمري
لم يكثر الجدل حول شخصية دينية قيادية غير رسمية في البحرين في العقد الأخير، كما كثر حوله، بين ناقد متربص به، وبين محب مشرئب مؤتمر بأمره، وقد قيل قديما «من أجمع الناس على حبه فهو ضعيف، ومن أجمعوا على بغضه فهو جبار ظالم ومن اختلفوا فيه فهو عظيم».
قد تختلف مع الشيخ عيسى سياسياً أو فقهياً أو استراتيجياً، أو في بعض الموضوعات خصوصا فيما يتعلق بالمرأة أو الانفتاح على التيارات الوطنية الأخرى، ولكن إنصافا لم ولن تجده مشهرا بك ولا محرضاً عليك مع قدرته على ذلك الناشئة من أكبر قاعدة شعبية محيطة به، بل إن اختلف مع رفاق دربه في الرؤية حول استراتيجية التعامل حول أمر ما فإنه لا يشق الجماعة فما أجمعوا عليه وارتضوه لا يخالفه ولا يقف ضده أو يهدمه مع قدرته على ذلك، وليس ممن إن اختلفت معه (وهذا حقك من باب حرية الرأي والفكر) وانفردت عن الجماعة يكون ممن لا يرقبون فيك إلاً ولا ذمة، ولم تجده يوماً في خطبه وأقواله يعتدي على أية جهة أو طرف بفاحش القول، فلم يتهم من اختلفوا معه بأنهم يهود أو صهاينة أو مشركون كما فعل غيره، ناهيك عن تحرزه الشديد في مسائل الحلال والحرام في حياته الشخصية، فتراه يعيش حياة البساطة في المسكن والمأكل والملبس مع قدرته على الرفاهية فأموال الخمس تحت يده وبلا شك فإن العروض السياسية المادية لن تكون بمنأى عن شخصية مثله، فهو ممن لا يمكن أن يباعوا ويشتروا، وأخيراً فإن وجوده هو صمام الأمان لاستتاب الأمن في البلد، حيث يمسك بزمام قاعدته عن الانفلات نتيجة الظلم والقهر والحرمان وكرد فعل لما يطفح من سياسات تمييزية وقهرية، وقد قال مرة في خطبة له في التأبين الأول لزعيم الانتفاضة الشيخ الجمري رحمه الله رداً على أحد الرموز الذي عاب عدم التحرك ودعا له «أنا قادر على صنع انتفاضة ولو أردت لفعلت، ولكن لكل ظروفه».
فهو صاحب تاريخ طويل في العمل الاجتماعي والسياسي أعطاه القدر الكافي من الوعي والحنكة والبصيرة، لا يمكن له أن يندفع بأي قرار غير مدروس أو محسوب.
تخرج من الثانوية العامة في مدارس البحرين وعمل مدرسا لفترة قبل أن يتوجه لدراسة العلوم الشرعية في النجف الأشرف مع رفاق دربه وأهمهم وأقربهم له الشيخان المرحومان عباس الريس، والجمري، واستمر في الدراسة حتى إعلان استقلال دولة البحرين وإرسال الأهالي لهذه الشخصيات الثلاث للحضور للترشح للانتخابات التشريعية فعادوا وكما ممن دخل المجلس التأسيسي الأول لصياغة الدستور جنباً إلى جنب مع كل القوى الوطنية في الساحة، ثم ترشح مع زملائه للبرلمان ففاز هو والجمري بأعلى الأصوات يليهما المرحوم الشيخ عباس.
بعد حل المجلس الوطني استمر في العمل في الساحة من خلال الخطب والدروس وصلاة الجماعة ورئاسة جمعية التوعية الإسلامية (التي أغلقت أمنياً في العام 1984م).
في العام 1992 سافر لإكمال دراسته في حوزة قم (حيث حوزة النجف لم يكن يتيسر الوصول لها بسبب العامل الأمني والتضييق على منتسبيها في العراق) وبقي هناك حتى حدوث الانفراج الأمني في البحرين، حيث عاد حاملا شهادة الاجتهاد ولكنه لم يستعملها ولم يعلن عنها (لتواضعه واعتبار وجود من هو أعلم منه). إن مما يحتسب له أيضا هو إعلانه التنحي عن السياسة عند عودته احتراما لوجود أخيه ورفيق عمره (كما عبر الجمري رحمه الله بذلك) في زعامة الساحة بل ترك له جامعه لفترة ليواصل الصلاة فيه، وعندما حاول بعض المنافسين السياسيين شق الساحة عن الجمري مستعملين اسمه وقاموا بكل أعمالهم ووصلوا للذروة ووصلت الأمور عنده، أوقف كل هذه التحركات ولم يستجب لهم وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على درجة رفيعة من التقوى تجعله يفضل المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الذاتية.
لست ممن يقدس الأشخاص ويوصلهم للعصمة أيا كانوا أو ينأى بهم عن النقد، ولكن الإنصاف يتوجب إعطاء كل ذي حق حقه، والشهادة بالحق.