جعفر الخابوري المراقب العام
عدد المساهمات : 11020 تاريخ التسجيل : 16/02/2010 العمر : 54
| موضوع: صحيفة جعفر الخابوري الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري الأحد يوليو 30, 2023 3:05 am | |
| الثائر والعقل الوظيفي والاحتلال
بقلم: بكر أبو بكر
في النقلة الأولى خرجت من مجال الهندسة المدنية دخولًا في الإطار النضالي "الاحترافي-التفرغ"، وفي الثانية بحثت حتى مِلتُ إلى ركن الثقافة والفكر ضمن المسار النضالي.
ثم أسَرَتني المدرسة الانسانية في القيادة والإدارة والاتصالات والتعامل والفكر التنظيمي في ثالث المتغيرات.
وهأنذا مع المتغير الرابع في الشخصية الذي دهمني تحت إطار الاحتلال الصهيوني الظاهر أوالخفي في كل تفاصيل حياتنا هنا في فلسطين بعد العودة الى الوطن متاخرًا عن ركب اوائل الداخلين عام 1996م.
لم يكن الوصول الى التغيير في طبيعة حياتي وشخصيتي منفصلًا عن مقدمات صعبة سبقت الدخول الى الوطن وارتبطت بمنظر السلام الصعب التحقيق، أو المصافحة المستحيلة بين رابين وأبوعمار، والتي كان لها ما لها من انعاكاسات في عقلي ونفسي من صراع فكري عميق لم أتبين تفاصيله الحقيقية الا بعد العودة للوطن.
إن مقدمات "اتفاق أوسلو" مما كان يعلمه الأخ أبوماهرغنيم عضو مركزية فتح ومفوض التنظيم فيها الذين كنت أعمل معه، كانت مقدمات صعبة وشبه مستحيلة مما كنت أقرأه بما يحولّه لي (تخصيصًا) مشتملًا بعض التفاصيل، فأحدقت بي وأحاطت، وجعلتي أسير صراع عميق سرعان ما تفاقم مع منظر المصافحة الشهير في حديقة البيت الأبيض.
أفكر اليوم بما سبق لأحلل حالتي بالقول أنه لربما أن الثابت المستقر كان أكثر راحة حتى لو لم يكن يحقق تقدمًا سياسيًا كبيرًا، أو في حياتي.
ولربما ألِفتُ تلك الحياة المستقرة الوسائل وردود الأفعال دون الانتقال الى جغرافيا جديدة ومرحلة جديدة في النظر والتفكير وهي مرحلة التأقلم الصعب بين الفكري العقدي والفكري الوطني مع المتغير السياسي الذي ارتبط بالنزول الى أرض الوطن. وحيث الاحتلال البغيض في كل مكان يدهمك بعنف ووحشية -عز نظيرها بالعالم- بالبيت والحارة وبالطريق وفي المنظرالمرعب للمستعمرات الغريبة عن الأرض، وفي قطرة الماء واللقمة وبذات الأنفاس التي يمنعها عنك متى ما يريد.
نعم، كان لعمق الأزمة الفكرية-النفسية أن طالني الأرق الشديد والقلق البالغ وصولًا لحالة اكتئاب شديدة لم استطع الخروج منها إلا في إطار العمل اللاحق عندما دخلت فلسطين عام 1996 وبما مكنني بشكل مؤقت من التحصل على البعض من هدأة النفس.
إلا أن صراع الثابت والمتغير، والأساسي مع الثانوي، والجذري مع المؤقت أو السطحي، أومع ما نسميه الواقعية السياسية قد انفتح على مصراعيه وهنا احتاج الوضع للتقييم والمراجعة.
في تلك الفترة تنامى العمل، عملي في التوجيه السياسي والوطني مع الاخ عثمان أبوغربية عبر اللقاءات والاجتماعات والمعسكرات والندوات والنشرات والمجلات والدورات التي كان يقيمها التوجيه السياسي، أى اتجاه محاولة فهم المتغير الكبير، أي أن تكون في بطن الحوت وتتنفس رغم ذلك وإن بأنفاس لاهثة أو متقطعة.
ليس بالشيء السهل أبدًا.
ولربما من علامات الطمأنينة هو الثبات المرتكز على الإيمان العميق والراسخ بالله سبحانه وتعالى، وبعدالة القضية وحقيقة ديمومتها والإيمان بالنصر الذي كان حافزًا أساسيًا للتقدم الى الأمام.
وما من شك أن وجود الخالد ياسر عرفات بعقله الغارق بفلسطين كان يمثل علامة ثقة، ومظلة أمان للمركب فلم يكن يساور أحد الشك بقيادة الخالد أبوعمار، رغم عثرات عديدة أشار لها كثيرون حين تحدثوا عن مسار وآراء ومواقف الختيار.
تحت الاحتلال نَمَت وتطورت قليلًا قليلًا عقليتان الأولى تلك التي بقيت على حالها أي عقلية النضال (التي أشعلت لاحقا الانتفاضة الثانية، وما تبعها من أشكال عديدة للمقاومة حتى اليوم) وفي مقابلها نمت عقلية الوظيفية التواكلية، عقلية الركود والركون للدعة والبريق الخلاب للسلطة المحدودة.
العقلية النضالية أو عقلية الثائر هي عقلية الانسان اليقِظ النشط المؤمن بدوره، وبأن حجر يسند صخرة كبيرة، لذا لابد من ديمومة العمل الكفاحي في كل الظروف وبكل الأشكال مقابل مناهضة عقلية الموظف المحدودة الفعل والنتيجة في أي مكان.
العقل الوظيفي لا يقوم بأي جهد الا مأجورًا أو لتلبية متطلبات "وظيفته" أو مهمته وكان الله بالسر عليم، وبكل تأكيد ركنتُ أنا للعقل النضالي الصعب والمتعب، وكتبت في ذلك الكثير وهذا ما كان من ترسيخ لمفاهيم في إطار النقلة.
ولعلني نجحت هذا إن علمت أن العقل النضالي عقل تضحية بالكثير الوثير على حساب القليل المادي، ولكن هو العظيم المعنوي والروحي.
| |
|