كتب (الحجاج) إلى عامله (قتيبة بن مسلم) بأنه فكر فى سنه فوجد أنه قد بلغ الثالثة والخمسين ، وأن من وصل إلى خمسين سنة أوشك على النهاية ، ويبدوا أن (الحجاج) قد كتب هذا حينما أحس بمبادئ المرض فى جسده ، فقد مرض بسرطان المعدة ، ولم ينفع معه العلاج فقد حانت المنية وأحس (الحجاج) بها فكتب وصيته المشهورة للخليفة (الوليد).
وقال للناس أسندونى فأسندوه ، وأذن للناس فدخلوا عليه ، فذكر الموت وكربه واللحد ووحشته والدنيا وزوالها ، والآخرة وكربها وأنشأ يقول :
إن ذنبى وزن السماوات والأرض وظني بخالقي أن يحابي
فلئن من بالرضى فهو ظني ولئن مر بالكتاب عذابي
لم يكن ذاك منه ظلما وهل يظلم رب يرجى لحسن المآب ؟!
وفرح أهل العراق بمرض (الحجاج) وشمتوا فيه ، وظهر ذلك منهم فى صورة شنيعة .....
فقد دخل عليه (أبو المنذر يعلى بن مخلد المجاشعي) وقال له : كيف ترى ما بك يا (حجاج) من غمرات الموت وسكراته ؟
فقال : يا يعلى غما شديدا وجهدا جهيدا وألما مضيضا ونزعا جريضا وسفرا طويلا وزادا قليلا ، فويلي ويلي إن لم يرحمني الجبار .
فقال (أبو المنذر) : يا (حجاج) إنما يرحم الله من عباده الرحماء الكرماء أولي الرحمة والرأفة والتحنن والتعطف على عباده وخلقه ، أشهد أنك قرين فرعون وهامان لسوء سيرتك وترك ملتك وتنكبك عن قصد الحق وسنن المحجة وآثار الصالحين ، قتلت صالحي الناس فأفنيتهم وأبرت عترة التابعين فتبرتهم وأطعت المخلوق في معصية الخالق ، وهرقت الدماء ..
فرفع (الحجاج) رأسه إليه وأنشد يقول قبل موته كلمات ما أروعها :
رب إن العباد قد أيأسوني ورجائي لك الغداة عظيم
وكان (الحجاج) يدعو حين حضرته الوفاة فيقول :
"اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لن تفعل".
وكان يقول:
يا ربّ قد حلفَ الأعداءُ واجتهدوا بأنني رجل من ساكني النارِ
أيَحْلِفون على عمياءَ وَيْحَهُم ما علمهم بعظيم ِ العفو غفّار
إن الموالي إذا شابت عبيدهمُ في رِقّهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرمًا قد شِبْتُ في الرّق فاعتقني من النار
قال (الحسن البصري) : والله إن نجا لَينْجوَنَّ بها.
يعني بحسن ظنّه في الله وحسن رجاءه.
ومات (الحجاج) على الأغلب فى 25 من رمضان وقيل فى شوال
وفى رواية للطبري أنه مات يوم الجمعه 21 من رمضان
وفى رواية أخرى لإبن كثير أنه مات يوم 27 من رمضان
ودفن (الحجاج) بمدينته التي أسسها (واسط) ، ولم يترك من حطام الدنيا إلا ثلاثمائة درهم وناقة