في السنن (2)
صيغة القضية المحققة الناجزة، مما الحقوه بالسنن التاريخية، ترتبط بأمورٍ لا يُشترَط فعل او تدخل الإنسان فيها لتقع.
نعم، قد يقوم الإنسان بدور الكاشف عنها. مثال ذلك تتبع الفلكي لمسارات الكواكب والنجوم، واستنتاج وقوع الكسوف أو الخسوف أو توّلد الأهلَّة.
ربما يَرْجُح- هنا- تصنيف هذا النوع في خانة السنن الإلهية الكونية، على تصنيفها ك(تاريخية).
هذا إذا بنينا على الدور المناط بالفعل البشري في صناعة التاريخ، وإن لم يكن بالصيغة الشرطية التي تقدم الحديث عنها سابقاً.
بناءًا عليه، لا نطيل الكلام في هذه الصيغة.
النوع الثالث من صيغ السنن التاريخية، أي ما يتم على نحو الإتجاه الطبيعي، هو ما يأخذ بالسياق الموضوعي أو ما يمكننا تسميته (طبيعة الأشياء).
هذه الصورة من السنن، ربما تكون أقرب لمسار التكوين منها لحالة التشريع، رغم دخول الأخير نسبياً في طيات عملها. مع ذلك، هي قابلة للتحدي والمخالفة، لكن على المدى القصير فقط.
كيف؟
خذ مثلاً، الدور التقليدي المعتاد، للتقسيم الوظيفي الطبيعي التكاملي في الحياة بين الذكر والأنثى.
على ذلك جرت سنَّة الحياة وتكونت اللبنة الأساس الأولى للمجتمع البشري بصورته العامة، من تزاوج وتولد ورعاية وووو. هذا الدور، سيصاحبه التشريع الداعم والمنظم له المحافظ على استقراره، في سبيل إنجاز أغراضه وأهدافه ومنها ديمومة النوع البشري.
ما أشرنا إليه من تحدٍ ومخالفة، يحصل من خلال قيام بعضٍ ممن ينتمون للنوع البشري بالخروج على النظام المعهود، تحت مدّعيات وممارسات فردية وتنظيرات وسياسات وبرامج جماعية.
هذا يعني ضرب النظام وخلخلته في وجوده واستقرار بنيته الذاتية، ويذهب كذلك لتغيير التشريع المنظم له.
محاولات الضرب والتغيير هذه قد تنجح في إحداث بعض الإختراقات، على المدى القصير. لكن نتائجها الكارثية تبدأ في الظهور شيئاً فشيئاً كمعضلات جزئية، ثم تتراكم وتتأصل كأورام متشعبة تستعصي على العلاج.
مثلها- للتبسيط فقط- كمثل بعض الأمراض التي يوصف لها أنواع خاصة من الأدوية المعقدة التي يكون لها آثارٌ جانبية مصاحبة(SIDE EFFECTS) يصعب تغافلها. وهذا يستدعي الحاجة لمكملات دوائية أخرى، لتخفيف تلك الآثار الجانبية، وما من دواءٍ إلا وله تكلفته أيضاً وهكذا.
من مصاديق ذلك أيضاً حالة الشذوذ، التي كانت تمارس من القلة القليلة بالخفاء. ثم ظهرت المطالبة بها كحق في بعض البلدان، وهاهو العالم يشهد مدى الإستماتة لفرضها من قبل دعاتها وأقطابها بالأدوات السلطوية الشاملة.
هذه الحالة، وإن وجدت بصورة استثنائية شاذة مستهجنة منذ القديم، إلّا أن تداعيات التعدي والخروج على نظام الإستقرار الأسري لعبت- في سياقاتها وتولداتها المستمرة- إلى إنعاش واستفحال الحالة المذكورة.
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.