في السنن (3)
نمط ونظام الحياة الغربية، اضمحل فيه دور الدين وحوصر كثيراً، على مستوى العقيدة والتشريع. وتأثر بذلك النظام الأسري الذي كان الدين يمثل أقوى مرتكزاته وعلاقاته وأدواته وآلياته وروابطه وديناميكيات تفاعله. فامتلأ الواقع بالعلاقات المنفلتة، والأمهات بلا أزواج(٢)، وتفكك العائلة إلى أفراد يفتقرون الصلات الحميمة والدعم العائلي والتراحم بينهم. هذا السياق، إضافة إلى طبيعة النظام الرأسمالي السائد الذي يعتمد كثيراً مبدأ النفعية، عزز النزوع إلى الفردانية اللاهثة. فإن كانت ثمة علاقات فهي أقرب للمصلحة منها لمبدأية الإلتزام ومرجعية الضمير والفطرة الإلهية.
هذا النمط يسهم كثيراً في حالة التيه والخوف والتقلب، لذلك تكون (الصرعات) التي يشحط الكثير منها بحثاً عن الاستقرار النفسي.
هذه الأوضاع، كما هو حال العنكبوت:
"مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت 41).
وكما يتكلم سماحة الشيخ أبوسامي، حفظه واعزه الله تعالى، فإن العنكبوت تستهلك عصارة روحها في إنتاج خيوطٍ لشبكة مبهرةٍ تعلقُ فيها وتموت. ومن وهن هذه الشبكة أن بإمكان طفلٍ صغيرٍ أن يدمرها ب"اگشم"(١).
لا ينكر أن الغرب يتسيد المرحلة الحالية في ابتكاره وانتاجه وتقدمه التكنولوجي والعلمي التجريبي، ما يعطيه مساحة أكبر من الآخرين في الهيمنة المادية وفي محاولات فرض ثقافاته على الآخرين. ولا يعني هذا التسيد أنه نتاج الممارسات الشاذة، كما يحاول بعض المبهورين بالغرب الترويج له.
للتقدم العلمي أسبابه الموضوعية، التي منها الاستقرار النسبي للنظام السياسي بنحو عام، وإن سبقته حروب داخلية وبينية ذات نتائج دموية وكارثية رسمت الحاجة الملحة لإيجاده. هذا مع توفر واستغلال إمكانيات مادية كبيرة، جاء الكثير منها عبر النهب الاستعماري لثروات البلدان الأخرى. يقارن ذلك بواقع الاستبداد السياسي والتخلف المجتعي في الدول الأخرى. على أن دورة المعرفة العلمية التي يجهد الغرب لاحتكارها، تتمثل في مسيرة تراكمية ساهمت فيها عبر التاريخ شعوبٌ وأقطار متعددة من العالم. والقرون الوسطى، في الغرب ذاته، ببابك.
نرجع للقول أن السنن الموضوعية في اتجاهها الطبيعي، تأخذ دورتها، لتصحيح الأوضاع الطارئة غير الطبيعية على المدى الأطول. وما لا يقوله الإعلام أن روح المقاومة والممانعة لتلك التوجهات التي ذكرناها سابقاً، موجودة ومتنامية في الضفة الغربية للعالم، على مستوى الأفراد والتجمعات.
يحضرنا هنا قول السيدة زينب عليها السلام:
""كِدْ كيدك، واسْعَ سعيك، وناصِبْ جُهدَك، فوالله لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحْيَنا، وهل رأيك الا فَنَد وأيَّامك الا عدد، وجمعُكَ الا بَدَد".
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
------------------------------
(١)(لگشم) جزء من خوصة النخيل اليابسة. بالمناسبة، تضمن درس التفسير لسماحته لسورة العنكبوت، تمثيل المحوران الشرقي الشيوعي(الإتحاد السوڤيتي وتوابعه) والغربي الرأسمالي بالعنكبوت. وبعدها بسنوات إنهار الإتحاد السوفيتي من الداخل، رغم امكاناته العسكرية الضخمة والأمنية القاسية.
(٢) تذكر بعض الكتب الأكاديمية، المعدة لدراسة ما يسمى بسلوك المستهلكين(CONSUMER BEHAVIOR)، أرقام مؤثرة بخصوص هذه الفئة. وتحدد لها احتياجاتها الخاصة التي تؤخذ بنظر الإعتبار عند وضع استراتيجيات وبرامج التسويق والإستهداف.