في السنن (4)
أتحفني الأخ كريم الموسوي(العراق) بتعليق قَيِّم، على الحلقة السابقة من هذه السلسلة(١)، اقتبس منه- بإيجازٍ وتصرفٍ شديدين- معلومة إجتماعية واحصائية تخص أحد البلدان الأوربية الرئيسة(المانيا).
الأخ الموسوي يعزو عملية جلب المهاجرين للدول الأوربية "لمواجهة إضمحلال وتلاشي هذه المجتمعات" الناتج عن "الانحراف الاجتماعي الخطير، الذي افرز قلة المواليد بينهم"(٢).
في المانيا وصل عدد الملّقحين الذين تتجاوز اعمارهم السبعين عاماً حوالي 48 مليون، من عدد السكان البالغ 84 مليون. فيكون العدد المتبقي 36 مليوناً. وبإستبعاد الاعمار التي هي خارج العمل(الفتيان والأطفال مثلاً) والبالغة 15 مليون يتبقى حوالي 20 مليون فقط.(إنتهى الإقتباس).
بمقارنة بسيطة بين هذه الأرقام نجد أن تسلسل الفئات العمرية سيكون حسب النسب التالية:
الكهول(فوق السبعين) 57٪،
أقل من 70 سنة(عدا الفتيان والأطفال) 24٪،
وفئة الفتيان والأطفال حوالي 18٪ من الألمان.
إذاً، هناك فجوة تعويضية في المواليد تزيد عن ال 57٪.
وبأخذ المتوسط بين الحالة الألمانية ودول أوربية لديها الفجوة أقل (5٪ مثلاً)، ينتج لدينا متوسط لفجوة التعويض السكاني الداخلي لل(مواطنين الأصليين) بحدود 26٪.
وإذا اعتبرنا أن الجيل الواحد يستغرق 35 سنة(٣)، فإن التركيبة السكانية لأوربا من الممكن أن تنقلب لصالح المهاجرين- وغالبيتهم من مسلمي القارة السوداء- خلال أقل من قرنين فقط.
هل سيكون ذلك مصداقاً لقوله تعالى:
"وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا" (الأحزاب 27).
المهاجرون يأتون بقيمهم وإرثهم الثقافي والعقائدي، وتكون لهم تجمعاتهم وكانتوناتهم الخاصة. وستكون من الكثيرين منهم الممانعة لمحاولات (الإدماج المجتمعي)، الذي تفرض السلطات الأوربية من خلاله ثقافات تتضمن جوانب مؤثرة منها الخروج على الفطرة الإلهية المودعة فيهم. وهذا منشأٌ لحالة صراعٍ مجتمعي، ببعد ثقافي وقيمي، لا طبقيٍ فقط. وتأويلات بعض السياسيين الفرنسيين، للأحداث الأخيرة في فرنسا(احتجاجات السترات الصفر)، تتجه نحو توصيف الاحتجاجات ببعد ثقافي وليس اقتصادي مطلبي فقط.
نقتبس أيضاً من تعليق للأخ أمين الصفوان (السعودية) جزئيةً مختصرة جداً، من نتائج دراسة لخبير في المسئولية الإجتماعية عن ماهية المشاريع المطلوبة في بيئتين إحداهما شرقية والأخرى غربية.
دراسة الخبير للواقع الاجتماعي و الاقتصادي في البلد الغربي(زيورخ- سويسرا) أظهرت الحاجة لإقامة مستشفىً (للصحة النفسية). وذلك لتفشي"المخدرات والخمور والجنس والعنف الأسرى ووجود العديد من الحالات المستعصية بحيث أن الارقام بلغت مبلغاً مخيفا".
في المقابل، الأولوية المتحصلة لبلد شرقي (النجف-العراق) كانت لمجال التعليم(محو الامية والتعليم المهني والتعليم المستمر) ولمشاريع الاسكان.
هذه مجرد شواهد إضافية لما ذكرنا سابقاً، على أن الخروج على السنن الموضوعية واتجاهها الطبيعي(٤)، يحمل تناقضاته المتتالية في نفسه فيصل إلى طرقٍ مسدودةٍ. وأن الترميم الخارجي لا يجدي أمام التصدع البنيوي الداخلي الكبير والمستمر.
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
----------------------
(١) يمكن الاطلاع على التعليق كاملاً في خانة التعليقات على الحلقة (3) من هذه السلسلة بصفحتنا في الفيس بوك (EMAD HUSSAIN).
(٢) برأيي الشخصي أنه عامل مهم، وربما الرئيس، لكنه ليس الوحيد. فهناك أيضاً الحاجة للعمالة الرخيصة وكذلك الماهرة، حتى من الرياضيين.
(٣) تُقدّر طبقة الرواة في أسانيد الروايات، لدى بعض الأعلام بحوالي 30 سنة. والطبقة تماثل ما يصطلح عليه بالجيل، الذي يحصل التغيير فيه عادةً عما قبله.
(٤) الصيغة الثالثة من السنن.