في السنن (6)
فحوى نظرية الجبر، التي يقول بها الأشاعرة(١)، أن الإنسان لا يملك مساحة الإرادة والإختيار للقيام بأفعاله, وأن ذلك متروكٌ له سبحانه وتعالى.
القول بالجبر، كان بدعوى الحفاظ على التوحيد الأفعالي، واستدلوا على ذلك، بقوله تعالى:
"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" (الصافّات 96).
وأُخِذَ على ما ذهبوا إليه أن سياق الآية يخدش فيما ذهبوا إليه. فالآيات تتكلم عن قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام وقومه:
"فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ(91) مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ(92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ(93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ(94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ(96).
يواجِهُ قولَهم بالجبر، سؤالُ المجازاة:
كيف يعذب الله الخلق على أفعالٍ أجبرهم عليها؟ وكيف يستسيغ مثل هذا الأمر أو يهضمه عاقل؟
يرى العديد من الباحثين أن هذه النظرية تستهدف في الأساس تبرير عمل الحكم الأموي، بالقول بأنه من القدرٌ الإلهي الذي لا يجوز الإعتراض عليه. وهذا الأمر كأنما اصبح سنّةً جارية في بلاد المسلمين حتى عصرك الحالي.
كنوعٍ من ردة الفعل- المبطن سياسياً، لنظرية الجبر، جاءت نظرية المعتزلة(٢) القائلة بالتفويض.
المعتزلة قالوا بنظرية التفويض بدعوى الحرص على أصل العدل.
فحوى النظرية الأخيرة أن الله خلق الإنسان وفوض إليه الأمور، ليتصرف كما يريد وبالتالي يكون مسئولاً عن خياراته وأفعاله لتتحقق العدالة في نيله الثواب او العقاب.(٣)
الخلاصة (أولاً) أن النظرية الأولى أغفلت أصل العدل، والثانية وقعت في مطب الشرك بزعمها إستقلال الإرادة والفعل البشريين عن إرادة ومشيئة الله سبحانه وتعالى.
من ناحيةٍ أخرى، ما نعتقده أن الإسلامَ دينٌ سماويٌ ربانيٌ، فكيف تقوم نظريته على أساس رد الفعل الأرضي بين فئتين متنازعتين؟
هذا الأمر يؤشر إلى مسألةٍ وحالةٍ عميقة وخطيرة في تاريخ المسلمين، اشار لها بعض الأعلام. مفاد تلك الحالة وجود توجهٍ قويٍ، مؤثرٍ على الأرض، قائمٍ على أساس التنظير لما هو واقع وإن خالف الأمر والتوجيه الإلهي الذي جاءت به الرسالات السماوية:
"لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ"
(الحديد 25).
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
----------------------------
(١)نسبةً إلى أبوالحسن الأشعري. ولعلهم يمثلون القسم الأكبر من أهل السنة عدا الإتجاه السلفي.
(٢) فرقةٌ كلاميّةٌ ظهرت في أواخر العصر الأموي في البصرة، على يد عمرو ابن عبيد وواصل ابن عطاء، وازدهرت في العصر العباسي. غلبت على المعتزلة النزعةُ العقلية، مقابل النص.
(٣) راجع مركز الأبحاث العقائدية، في الشبكة العنكبوتية، حول الجبر والتفويض.