في السنن (7)
أطروحة مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فيما نتصوره بخصوص مسألة الجبر والتفويض، لا تقوم على أساس التقعيد والتنظير دينياً لحالة تفرضها سياسةُ الأمر الواقع(نظرية المجبرة).
كذلك، هي لا تأخذ موقع رد الفعل المضاد لذلك التنظير(نظرية المفوضة).
ما نفهمه أن أطروحة مدرسة أهل البيت عليهم السلام تعمل من خلال نسق المشروع الإلهي، الذي جاءت به الرسالات السماوية جميعاً، في سعيها لترسيخ خلافة الإنسان في الأرض:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة 30).
الخليفة (الإنسان) خُلِقَ- لحكمةٍ ربانيةٍ- قاصراً وضعيفاً. فبمنظور القوة مثلاً:
"يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا" (النساء 28).
أيضاً، من حيث العلم:
"وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"
(الإسراء 85).
إذاً، الإنسان محتاجً باستمرار- طوال مسير حياته- للمدد والوقود الإلهي، ليقوم بمهمته الموكلَةِ له(الخلافة).
هذا المددُ لا يسلُبْه الإختيار في القرار والعمل، بالتالي لا جبر. فبداهةً، أنت من يقرر الذهاب لبيروت أو قندهار. في نفس الوقت، وجود خيار التصرف لديك، لا يعني أنك مستقلٌ لا حاجةَ لديك للمدد.
فحوى أطروحة مدرسة أهل البيت عليهم السلام، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
"لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين"
وأن هذا الأمر:
"أوسع مما بين السماء والأرض"(١)
ومع هذه السعة، على الإنسان أن يتذكر دائماً:
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ
إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (الإسراء 37).
سيأتي إن شاء الله الكلام، عن مثالٍ عملي يقرب فكرة الأمر بين الأمرين.
ماذا عن مسألة (كن فيكون)؟
كيف تتقاطع الحالات الثلاث(الجبر، التفويض، بين الأمرين) مع صور أو صيغ السنن التاريخية؟
كذلك، كيف تتقاطع تلك الحالات أيضاً مع الخصائص العامة للسنن التاريخية؟
يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
---------------------------
(١)ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - الصفحة ٣٦٣.