....الإسكافي_والأخوات_الثّلاثة
الجزء الاول
يحكى أنّ عجوزا كانت راجعة من السّوق تحمل قفّة فيها حاجياتها من خضار ولحم لطبخ طعامها ،وفجأة تعثّرت ،وتمزق نعلها ،فأخدت تدور في الحيّ ، وتبحث ،عن إسكافي،وبعد أن تعبت وجفّ ريقها ،وجدت واحدا في آخر الزّقاق له دكّان صغير ،وبعد أن أصلح لها نعلها ،سألته كم هي اجرتك ؟ فقال لها: لن آخذ منك شيئا ،لكن أنا رجل غريب ،وأعيش وحيدا ،سأكون ممتناّ لك لو وجدت لي عروسا !!! ردّت العجوز : ولم لا ؟ لو أسمع بفتاة مليحة سأعلمك، ،قال الإسكافي: سأدفع مهرا قدره ألف فرنك ،ولا أريد من العروس لا جهاز ولا تعب ،أنا أتكفل بكل شيئ أجابت العجوز :حسنا كما تريد، والآن سأعود لداري، فقد تأخّرت كثيرا عن طبخ طعامي !!! أحد الأيام جاءتها أحد جاراتها لتتسلّف منها بصلة ،وكانت أرملة لها ثلاثة بنات ،ولمّا رأتها ،تذكّرت الإسكافي ،فكلّمتها عن الزّواج ،فوافقت المرأة ،وقالت سأزوّجه من الكبرى ،وهذا الرّجل يناسب حالتي ،فأبوهم لم يترك شيئا ،وليس لي مال لأجهّزها ،ولا لأقيم الحفلات والمآدب لأهل الحيّ .
جاء الإمام لدار المرأة ،وكتب الصداق ،زغردت فطومة، ووزّعت شراب الورد والحلوي على المدعوّين ،ثم أركب الرّجل عروسه في عربة تجرّها الخيول ورجع بها إلى دكّانه ،ثم فتح بابا فرأت غرفة حقيرة فيها زربية وجلود ،وفي وسطها منضدة صغيرة عليها صحفة فيها زيت وزيتون، وقربه فجل وخس وخبزة شعير ،فغسل يديه ثم جلس ،وقال :تفضلي، فجالت بعينيها على الطعام ،وقالت :في دار أمي آكل أحسن من هذا !!! أجابها :التي تريد أن تهنأ في حياتها يجب أن تقبل الحلو والمرّ ،فقالت له بضيق : إحتفظ بالمرّ لنفسك ،ولا تنتظر أن أشاركك فيه ،هيا إحمل لي طعاما لائقا ،ولا تفسد ليلة عرسي !!! فمدّ يديه ، وأكل حتى شبع ،وهي تنظر إليه وتكاد تتميز من الغيظ ،ثم طبخ كوبا من الشّاي ،وقال لها : إمضي هذه الليلة هنا ،وغدا سآتيك بعربة ترجعك إلى دار أمّك ،وحلال لك الملابس التي إشتريتها لك ،والآن عن إذنك سأسهر ،فأمامي بعض العمل لأقوم به ،فقالت في نفسها : هذا أفضل ،فقد قيل دكان مغلق أفضل من كراء زهيد
في الصباح رجعت البنت صبية لدارهم ،وبعد أسبوع مرّت العجوز على الإسكافي لتصلح شيئا فعمل مثل المرة السابقة ،وطلب منها أن تخطب له بنت الحلال ،فأجابته :لكني فعلت ذلك ،وإبنة جارتي فطومة لا ينقصها شيئ ،وأنا أحس بالخجل من تلك المرأة ،وأخاف أن أذهب لدارها ،أجاب الإسكافي لم أقصد أن أسبّب لك إحراجا مع جيرانك لكن تعلمين أن الزواج قسمة ونصيب ،وأنا لم أحس أن لي مكتوب مع تلك الفتاة ،فقالت له حسنا ،سأرجع لجارتي فلها بنت أخرى أصغر من الأولى ،أجابها شرطي باق كما هو ولن يتغير رجعت العجوز لدارها ،ثم قالت سأذهب لفطومة وأعرف ما جرى ،لما دقت الباب فتحت لها وأدخلتها ،ثم بدأت تحكي على أحوالها ولم تقل شيئا عن الطلاق ،إلى أن قالت لها إبنة المرأة ذلك الرجل بخيل ويريد تجويعي ،هكذا أفضل ،قالت العجوز لقد طلب منّي خطبة الوسطى ،فما رأيك ربما يكون حضها أحسن فوافقت الجارة ويوم العرس تلحفت وركبت العربة مع الإسكافي .
لمّا وصلت للدّكان فتح لها تلك الغرفة ،فدخلت ،ثم قالت في نفسها :هذا الرجل يكسب جيّدا فهناك كثير من الأحذية ،والرفوف مليئة والجلد والغراء والمسامير، فلماذا يقتر على نفسه في مسكنه وملبسه ؟ نظرت لوجهه فرأت أنّه لا يزال شابّا ،وشكله ليس سيّئا ،لكن لن تطيق هذا الفقر، وحين وضع العشاء ،قالت له: كنت أظن أنك ستحسّن طريقة استقبال زوجتك ليلة عرسها ،وتدللها كما يفعل الرّجال !!! وإذا بي أجد نفس الطعام الذي قدمته لأختي ،هل هذا هو العيش الذي ستقدمه لي ؟ غرفة صغيرة دون أثاث ،وطعام لا ترضى به الكلاب !!!
...
يتبع الحلقة 2