فرنسي شغفته مصر حباً
ليس الفيزيائي وعالم الرياضيات والفلكي، أرخميدس الوحيد الذي هتف وهو يجري في الشارع: «لقد وجدتها!»، بعد أن اكتشف قانون الطفو، وهو يجري اختبارات للتحقق من أن التاج الملكي ليس ذهباً خالصاً، فمثله هتف الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، الذي كرّس حياته لكشف طلاسم اللغة المصرية القديمة، المهمة التي عجز عنها الكثيرون، يوم هتف، هو الآخر، في عام 1822، أمام أخيه: «وجدتها»!، بعد أن أيقن من تمكنه قراءة النص الهيروغليفي المنحوت على حجر رشيد الشهير.
وهناك من يرى أنه لولا بيير فرانسوا بوشار، المولود في عام 1771، مكتشف حجر رشيد، ما كان لشامبليون أن يفكّ أسرار الكتابة المصرية القديمة، حتى أن مسقط رأس بوشار، مدينة أورجوليه، وتقديراً له، وضعت في مدخلها نصباً تذكارياً عملاقأً يمثل حجر رشيد كرمز للمدينة.
تقول الحكاية إن شامبليون، حين كان في الحادية عشرة من عمره، رأى، ولأول مرة، الكتابة الهيروغليفية المصرية في منزل الفيزيائي وعالم الرياضيات جوزيف فورييه، وحين أخبره هذا العالم عن تعذر قراءتها، قال له الطفل بثقة: «سأقرأها حين أكبر»!، وهذا ما حدث، فقد «استنطق» اللغة المصرية القديمة بعد 23 عاماً من اكتشاف حجر رشيد، مبدداً اعتقاداً خاطئاً بأن الهيروغليفية هي مجرد كتابة مصورة.
وهو في الخامسة والعشرين من عمره بدأ شامبليون دراسة اللغات، فبالإضافة إلى اللاتينية التي تعلمها وهو صبي، بدأ تعلّم اللغات العربية والسريانية والكلدانية ثم القبطية والعبرية، وفي وقت لاحق درس الآرامية والكلدانية والفارسية القديمة، وأضاف إلى هذه القائمة الطويلة اللغة الصينية لأنه كان يعتقد بوجود قرابة لها في اللغة المصرية القديمة.
من قرأوا كتاب روبير سوليه: «مصر.. ولع فرنسي»، لن يفاجئهم قول شامبليون: «لا أجد أحداً أقرب إلى قلبي من المصريين»، وهو يفسر شغفه بدراسة آثارهم، الذي ظلّ ينمو كلما اكتسب معرفة جديدة عن مصر وحضارتها وأهلها. «أريد إجراء دراسة عميقة ومستمرة لهذا الشعب القديم. إن آثارهم وقوتهم ومعرفتهم تملؤني بالإعجاب (...)، ويدفعني الحماس لدراسة لغتهم، لأن عملي على البرديات المصرية سيعتمد على هذه اللغة. إنه لشيء مميز أن أتحدث بلغة أعزائي أمينوفيس ورمسيس وتحتمس.. أنا قبطي لدرجة أنني حتى وقت التسلية أترجم إلى اللغة القبطية كل ما يتبادر إلى ذهني. أتحدث القبطية بمفردي، لنفسي».
أتى شامبليون إلى مصر التي شغف بها حباً، وحقق حلمه برؤية الحضارة التي كرّس حياته من أجلها، لكنه أتاها وهو يعاني أمراضاً عدّة، لم تمهله طويلاً، حيث توفي في باريس في عام 1832 عن عمر لم يتجاوز الحادية والأربعين.
https://www.alkhaleej.ae/2023-09-30/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D8%B4%D8%BA%D9%81%D8%AA%D9%87-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AD%D8%A8%D8%A7%D9%8B/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7