أمين الريحاني بالروسية
الراجح أن المستعرب الروسي الأشهر، إغناطيوس كراتشكوفسكي (1883 – 1951)، لم ينل ما هو أهل له من اهتمام في دراساتنا حول الاستشراق، والاستشراق الأدبي خاصة، فللرجل الذي شغف منذ صغره بدراسة آراء المستشرقين وتعلّم اللغة العربية، مساهمات مهمة في دراسة أدبنا العربي، قديمه وجديده، ولم تنحصر معرفته باللغة العربية وحدها، فقد اهتمّ بمعرفة اللغات الفارسية والتركية والتتارية والعبرية والحبشية، ومن أجل الإحاطة بالأدب والثقافة العربيين زار بلداناً عربية بينها مصر وسوريا وفلسطين، فاطّلع على خزائن الكتب فيها، وتعرّف إلى علمائها وأدبائها.
وقف كراتشكوفسكي أمام الشعر الجاهلي مطوّلاً، وقدّم إضافات نوعية في دراسته، وهو إذ شاطر الرأي القائل بأن قسماً من هذا الشعر قد يكون منحولاً، نفى بقوّة أن يكون كله كذلك، رافضاً الرأي الذي ذهب إليه بعض الدارسين الإنجليز الذين بلغوا حدّ القول إن العرب لم يعرفوا الشعر كنوع أدبي قبل نشوء الإسلام، ورأى كراتشكوفسكي أن المنحول أيضاً ينبغي اعتباره أثراً من آثار الماضي القديم؛ لأنه من (صنع) شخص بلغ من القدرة على التغلغل إلى كنه الماضي العربي، بحيث لا يمكن أن يكون أي جزء تفصيلي من عمله مناقضاً للصدق التاريخي والسيكولوجي.
ولعودتنا لهذا المستعرب الروسي علاقة بما سنأتي عليه الآن، حول الصلة بينه وواحد من أبرز أدباء المهجر العرب، هو أمين الريحاني، الذي على خلاف زميله اللدود في المهجر، ميخائيل نعيمة، لم يعش في روسيا ولا يعرف لغتها ليقرأ أدبها بلغته الأم، إلا مترجماً إلى اللغات الأخرى، كما كان عليه نعيمة الضليع في تلك اللغة، لكن في دراسة للناقد اللبناني الراحل محمد دكروب عن الريحاني، يلفتنا إلى معلومة مهمة هي أن كراتشكوفسكي كتب مقالة، باللغة الروسية، ثم ترجمها إلى العربية، عن الريحاني نشرت لاحقاً كمقدّمة لكتاب الأخير «التطرف والإصلاح» الصادر عام 1928، قبل أن يقوم شقيق الريحاني، إلبرت، بنقلها من مكانها هذا وجعلها مقدّمة لإحدى طبعات «الريحانيات».
في هذه المقالة يحكي المستعرب الروسي عن لقائه الأول مع أمين الريحاني، قائلاً التالي: «في صباح يوم جميل من أيام ربيع سوريا الباكر من سنة 1910، كنت جالساً في مكتب صغير لصديقي جورج عطيّة، محرر جريدة «المراقب» البيروتية، حين دخل رجل في سيماء وجهه الأحمر الشاحب ما يدل على التواضع، وما وراء ذلك التواضع من شخصية هادئة بعيدة القرار»، لنعرف لاحقاً أن هذا الرجل هو نفسه أمين الريحاني الذي سيهتم كراتشكوفسكي، فيما بعد، بأدبه ويكتب عنه تلك المقالة التي جرى توثيقها، وأصبحت مقدمة لأعمال الريحاني الكاملة، ولنا إليها عودة.
https://www.alkhaleej.ae/2023-10-13/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7