من يحكم منصّات التواصل؟
في الأيام الأخيرة أعلنت شركة «ميتا» عن حذف أكثر من 795 ألف منشور، وصفتها بأنها «مزعجة أو غير قانونية» في ما يتعلق بالحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة. وجاء إعلان الشركة على خلفية توبيخ طالها من الاتحاد الأوروبي بسبب عدم معالجة ما وصفه ب«المعلومات المضللة» على منصاتها، وقالت «ميتا» إنها، وبعد العملية العسكرية لحركة «حماس» في السابع من هذا الشهر، «أزالت 7 أضعاف المحتوى الذي ينتهك سياساتها."
بدوره، وجد إيلون ماسك، مالك منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، نفسه محمولاً على القيام بشيء مشابه بعد انتقادات حادة وجّهها له الاتحاد الأوروبي أيضاً، ورغم إعلان الملياردير الأمريكي تمسكه بمبدأ حرية التعبير، وعدم حظر الحسابات على المنصة الشهيرة، لكنه لم يقو على مواجهة الانتقادات اللاذعة من قبل الأوروبيين، وأعلن إزالة «عشرات الآلاف» من المنشورات عقب الهجوم إيّاه، وحذت شركة "تك توك" الحذو نفسه، فأعلنت حذف أكثر من 500 ألف مقطع فيديو وأوقفت ثمانية آلاف بث مباشر "يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
في حال «ميتا» و«إكس» و"تك توك" وغيرها من وسائل التواصل، نحن إزاء غياب معيار واضح لتصنيف المنشورات على أنها داعمة لما يوصف بالإرهاب، الذي يريد الغرب وصم المناضلين من أجل حرية شعوبهم وحقوقها المشروعة به، حيث إن الحظر طال حسابات كثيرة يهمّ أصحابها، بدرجة أساسية، التعبير عن التضامن مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة المقرّة دولياً، وهي أبعد ما تكون عن الخانة التي يتحدث عنها الاتحاد الأوروبي والغرب عامة، الذي برهن على زيف تشدّقه بحرية التعبير وحقوق الإنسان، لدرجة حظر المظاهرات المناصرة لغزة والمستنكرة للحصار الجائر المفروض عليها واستهداف المدنيين وهدّ بيوتهم عليهم، وتهجيرهم.
نعرض هذا على سبيل التمهيد لعرض محتوى تحذير وجّهته رئيسة مشروع «موزيلا» الحر للبرمجيات، ميتشيل بيكر، من مخاطر وضع تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي في أيدي عدد قليل من عمالقة التكنولوجيا فقط، ولا علاقة لتصريحها بما يجري في غزة حالياً، لكنها دعت لإتاحة التحكم في بيانات التدريب ونتائج الوظائف الجديدة للذكاء الاصطناعي من قبل المستخدمين الأفراد والشركات، لا أن يتم التحكم فيها بشكل مركزي من قبل عدد قليل من الشركات الكبرى.
ومثلما غيّرت «الإنترنت» العالم بشكل جذري وإلى الأبد، فإن بيكر ترجح أن يكون الذكاء الاصطناعي هو الذي سيحدد تكنولوجيا الجيل الحالي، مشيرة إلى أن فوائد الإنترنت وصلت إلى مليارات الأشخاص، لأنه لم يتم السماح بقصر السيطرة على السوق لتكون في يد شركة، أو شركتين كبيرتين، مستدركة بالقول إنه «بنظرة إلى الوراء، كان هناك العديد من القرارات التي كان من شأنها أن تسهم في المزيد لحماية المنافسة والخصوصية».
ما نشهده اليوم من تحكّم في محتوى ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيق سياسة الكيل بمعيارين في طبيعة العلاقة مع هذا المحتوى، ينبهان إلى التبعات السلبية لهيمنة من وصفتهم الخبيرة المذكورة بعمالقة التكنولوجيا، وإلى أن الداء نفسه سيطال، بصورة أكبر، أدوات الذكاء الاصطناعي.
https://www.alkhaleej.ae/2023-10-17/%D9%85%D9%86-%D9%8A%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%85%D9%86%D8%B5%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7