حُلم إبراهيم طوقان
أسعدتني، أمس، مشاهدة «فيديو» يظهر مغنية ألأوبرا السويدية المتمكنة، آن كاترين هويغوفيلد تقدّم النشيد الوطني العربي الأشهر: «موطني»، الذي وضع كلماته شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، في فترة دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، على ما قرأت.
والمتيسر من المعلومات يشير إلى أن الموسيقار اللبناني محمد فليفل هو من وضع لحن هذا النشيد في العام 1934، فيما تقول معلومة أخرى إن شقيقه أحمد فليفل كان شريكاً له في وضع اللحن، حيث كان الشقيقان يشكلان ثنائياً موسيقياً عرف باسم الأخوين فليفل، على طريقة «الأخوين الرحباني».
لم تكن النكبة الفلسطينية الكبرى قد حلت بعد حين كتبت ولحنت القصيدة التي غدت بمثابة النشيد الوطني لفلسطين، حتى جرى استبداله بلحن آخر عند قيام المقاومة الفلسطينية المسلحة، بل إن دولاً عربية أخرى اعتمدتها، في فترات مختلفة، كما هو حال العراق بعد سقوط النظام السابق. كما أن أجيالاً من الفتيان والفتيات العرب حفظوا كلمات هذا النشيد وهم أطفال على مقاعد الدراسة، وترنّموا به ملحناً ومغنياً.
في ذلك الزمن الذي أصبح بعيداً حلم إبراهيم طوقان بوطنٍ فلسطيني، ووطن عربي، غير اللذين صرنا إليهما. فلسطين محتلة بحراب آتين من مختلف أرجاء الأرض، طردوا منها أهلها، واغتصبوا منهم أراضيها، ليقيموا عليها كياناً عدوانياً مدججاً بالسلاح ومحمياً من طغاة الأرض، ووطن عربي ممزق، مفتت، يسوده الطغيان والفساد والاستبداد.
نسأل هل هي مجرد مصادفة أن إبراهيم طوقان كان فلسطينياً؟ ونجيب بالنفي. حتى قبل أن تحتل فلسطين كانت للعرب عنواناً، ومصنعاً للحلم العربي الذي تبدى في كلمات طوقان، لكن سيرة طوقان تظهر أنه عاش في أكثر من عاصمة عربية، حيث أنفق خمس سنوات في بيروت للدراسة، وما أدراك ما بيروت يومذاك، ثم قصد القاهرة محاولاً العمل في صحافتها، لأنه كان يحلم بأن يكون صحفياً، قبل أن يعود ثانية إلى نابلس، مسقط رأسه، ليعمل في التعليم أولاً ثم في إذاعة فلسطين التي تأسست في العام 1936.
ومثل شعراء ومبدعين آخرين كبار، رحل طوقان مبكراً وهو لما يزل في منتصف الثلاثينات من عمره، تاركاً لنا حلمه الكبير الذي قاله وهو يخاطب موطنه، متسائلاً وراجياً: «هل أراك/ سالماً مُنعّماً وغانماً مُكرّماً/ هل أراك في عُلاك/ تبلغُ السّماك/ الشبابُ لن يكلَّ همُّهُ/ أن تستقلَّ أو يبيد/ نستقي من الرّدى/ ولن نكون للعدى كالعبيد/ لا نُريد / ذُلّنا المؤبّدا وعيشنا المُنكّدا/ لا نُريد بل نُعيد / مجدنا التّليد».
ما أشدّ الخيبة وأمرّها، لأن البرازخ بيننا وبين هذا الحلم ما انفكّت تطول ولا تقصر.
- See more at:
http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/107fcdaf-21e8-4864-9d0a-d76d3928bd6e#sthash.SSOYisg7.dpuf