مراسلات علي جواد الطاهر إلى زوجته
استوقفني في جناح «دار الرافدين» بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، مؤلف ضمّ مراسلات الأديب والناقد العراقي علي جواد الطاهر (1919 – 1996) إلى زوجته، وللدار المذكورة فضل كبير في تعريفنا بمراسلات مشاهير من الأدباء، ومنها «رسائل فرانز كافكا إلى ميلينا»، «رسائل فلاديمير بانكوف إلى فيرا»، «رسائل مارسيل بروست»، «مراسلات مكسيم جوركي وأنطون تشيخوف»، وكذلك الرسائل السرية للشاعرة الإيرانية فروخ فَرخزاد، وغيرها من الكتب الشائقة، لكنها المرة الأولى، في حدود اطلاعي، التي تصدر فيها الدار الرسائل الخاصة لأديب ومفكر عربي، وإلى زوجته، على ما تنطوي عليه من خصوصية.
المؤكد أن أهمية علي جواد الطاهر النقدية والأدبية تضفي أهمية على رسائله الخاصة، فهو صاحب مشروع ثقافي ترجمةً وتأليفاً وتنظيراً، حتى أنه عُرف بشيخ النقاد، وفي رصيده أكثر من أربعين كتاباً، تعكس ثقافته الموسوعية العالية، هو الذي نال شهادة الدكتوراه من «السوربون» الفرنسية، بعد تخرجه في كلية المعلمين في بلاده العراق، وجمعت مؤلفاته بين دراسات تهتم بالتراث، وكذلك بالاتجاهات الأدبية المعاصرة، مثل كتابه «مقدّمة في النقد الأدبي».
ما جذبني إلى الكتاب، وأنا أراه في جناح «دار الرافدين»، هو رسائل الطاهر، ولم أدقق كثيراً في عنوانه الرئيسي وهو: «سغب العواطف»؛ حيث حسبته في الأول «شغف العواطف» أو حتى شغبها، ولم أنتبهْ إلا لاحقاً إلى أن المفردة هي «سغب»، وأعترف أنها مفردة جديدة على أذني، فقصدتُ المعجم سائلاً، فأفادني أنها تعني التعب، خاصة منه ذاك الناجم عن الجوع، ويفيدنا «لسان العرب» أنه ربما سُمِّي العَطش سَغَباً.
في كل الأحوال نحن إزاء شحنة عواطف يبثّها علي جواد الطاهر إلى زوجته، في رسائل خطّها إليها من بعد، مفصحاً عما يعتمل في صدره من مشاعر تعِبة بسبب بعد المسافات، فترات سفره في مهام علمية وأكاديمية، أو حين وجد نفسه محمولاً على مغادرة العراق؛ خشية الملاحقة الأمنية من السلطات، ويطمئن فيها على أحوالها وعلى أحوال أولادهما، ويتقصى منها الأخبار، ويدلي برأيه في أمور تخصّ العائلة، كما يبث بعض تأملاته في الحياة.
وتشير د. لقاء موسى الساعدي، وهي زوجة الابن الأصغر للطاهر، التي قامت بجمع وتقديم وتحرير تلك الرسائل وجمعها في الكتاب، إلى أن زوجة الطاهر، السيدة فائقة، احتفظت بتلك الرسائل في علبة صدفية، وبعد أن اطلعت عليها الدكتورة لقاء وبهرتها «بأسلوبها وصياغتها وتدفق العاطفة الصادقة فيها»، ارتأت نشرها، ولم يكن ذلك هيّناً؛ حيث واجهت معارضة من بعض أفراد العائلة، باعتبار تلك أموراً شخصيّة تخص العائلة، لكنها، أي معدّة ومحررة الرسائل، نجحت، ولحسن حظّنا، في إقناعهم بأهمية نشرها.
ولمضمون الرسائل لنا عودة قريبة.
https://www.alkhaleej.ae/2023-11-25/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%AA%D9%87/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7