ريتاكلبة نجيب الريحاني
نفقت ريتا قبل الريحاني بثلاث أيام فقط، وقال عنها : الأنثى الوحيدة التي تعرف الوفاء والإخلاص، لأنها أعز مخلوق لدى وأقرب صديقاتي إلى قلبي.. كلبتي يا حضرة حيوان أتحدث إليه، يفهم ما أريد أكثر من أي إنسان، هي أليفتي في المنزل، وصديقتي في الشارع وزميلتي في العمل، تشاركني في التمثيل ولا تتعبني في إخراج دورها، فهي تجيده ولا تنساه ولا تتأخر عن موعد العمل، ومن هنا كانت هي الممثلة الوحيدة التي أبقيت عليها من أفراد فرقتي وعندما سافرت إلى لبنان فارقتها لأول مرة في حياتي، وقد أصيبت بمرض من جراء حزنها العميق، وكنت أراها كثيرا في المنام وبعد عودتي لم تكد تراني بعد غيبة حتى وقفت بعيدة عني، وهى التي كانت تتحرق شوقًا إلى لقائي، واغرورقت عيناها بالدموع وكأنها تقول: (إخس عليك يا خاين العيش والملح).
وتابع: وفي الأيام الأخيرة اعتدت ألا أتركها لحظة، إذ أنها لا تزال في أيام الحداد على فقيدها وفلذة كبدها الكلب (شكل)، لا رحمه الله مطرح ما راح!.. فقد كان عفريتا في صورة كلب.
واستكمل: وكانت بارعة في تطفيش الزائرين غير المرغوب فيهم.
وكتب صديقه بديع_خيري، مقالا مطولا في مجلة «المصور» في يونيو 1949، ينعي ويرثي «الريحاني»، وتطرق فيه إلى كلبته «ريتا» وكيف كان متعلقا بها.
وقال خيري: منذ 6 سنوات دخل هذا الكلب الثمين مسرح_نجيب_الريحاني.. ورآه بديع خيري، ونجيب الريحاني، وابن شقيقه بديع الريحاني.. فأراد كل منهم أن يأخذه.. لكن نجيب أثبت بالمنطق أنه أحقهم به.. وظل هذا الكلب لا يفارقه أبدا.
وتابع خيري: كان الريحاني يقيم في شقة بعمارة الإيموبيليا.. وكان كلبه يصاب بنوبة جنون كلما رأى كلب إحدى جاراته.. كان يهم بالفتك بنوبة جنون كلما رأي كلب إحدى جاراته.. كان يهم بالفتك به فيبذل نجيب كل جهده ليحول دون اشتباك الكلبين، وتقوم صاحبة الكلب الآخر بنفس المهمة، وفي ليلة، دخل نجيب المصعد وكلبه معه، فإذا بجارته فيه.. ومعها كلبها! لابد أن تقع جريمة قتل في هذه المرة!.. لكن كلب نجيب لم ينبح.. ولم يغضب.. بل تحرك في هدوء إلى الكلب الآخر، وأخذ يلحس شعره في حنو شديد!.
واستكمل خيري: دهش نجيب.. وسأل جارته: (إيه الحكاية؟)، فقالت له وهي لا تقل عنه دهشة: (إن الكلاب أنبل من الناس.. لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام، وشعر كلبك بما حدث له فلم يشمت، ولم ينتهز الفرصة للهجوم على عدوه، بل تقدم إليه محزونا كما ترى.. وها هو يواسيه.. فهل يحدث مثل هذا بيننا نحن الآدميين؟!.
وقال «خيري»: جمد نجيب في مكانه وأخذ يتأمل.. ودخل مسكنه، وأخذ يبكى، لقد أثار المنظر الغريب حسه الرقيق وأبكاه.