المعارضة السياسية
القاعدة الذهبية تقول: نتعاون فيما اتفقنا ويعذر بعضنا بعضا فيما فيه اختلفنا، حيث موقع المعارضة ليس مرهونا على تيار محدد أو جماعة معينة أو مذهب، فالمعارضة موقع لا يمكن أن يكون فارغا.
وبما أن المعارضة بشكل عام هي الفعل الواعي الذي يحمل في طياته تصورا وإرادة وبرنامج عمل نسبي يمتلك إمكانات الإقناع والتغيير من دون عنف, ولكي نوضح للذين ينضوون تحت هذا المسمى, يجب أن يلموا بجوانب هذا التعريف وعليهم أن يخضعوا المصطلحات المكونة له إلى التحليل لصياغته من جديد بلغة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع, فقولنا تصور يحيلنا حتما إلى نظرتنا للسياسة والدولة.
كيف نفهم السياسة؟ وما شكل الدولة وفق هذا المنظور, وما هو منهج الحكم الذي سنلتزم به؟
على المعارضة الفاعلة أن تحدد مفهومها بعلاقتها بالدولة وسياستها, فالدولة هي الجهاز المسئول عن التسيير والقيادة والحماية والحفظ, وهذا ما يفتقده المواطن العادي من جراء الاعتصامات والتبرير للخارجين على القانون ومتلفي المال العام والخاص.
ففي الدول الديمقراطية يكون للمعارضة دور إيجابي لا يقل عن دور الحكومة في خدمة الوطن والمواطنين من خلال نقد برنامج الحكومة وكشف الأخطاء والفساد, ولكن في الوقت الجاري تفتقر المعارضة للتصور الديمقراطي الذي يتوق إلى فضاءين أولهما إيجابي وهو إنها بانضوائها وفق إرادة التحسين والإصلاح والتأسيس تكون قد استهدفت السياسة المدنية التي تعترف بالمنافسة المنضبطة للقانون والدستور وتقبل التسوية والحل الوسط كآلية لفض الإشكاليات وتذليل العقبات، والفضاء الثاني في وجهة نظري أنها تستهدف الدولة كمولود شرعي لزواج شرعي بين غالبية الشعب ومشروع طموح يغري المواطن, لتقلل من عملية تطبيقه أمام الشعب والدستور والقانون. والدليل عدم الوثوق بالسلطة القضائية؟. وبما أن المعارضة الديمقراطية في جوهرها تنافس بين عدة برامج عمل فإنها لا يمكن أن تكون إلا نسبية منضبطة لعاملي الزمان والمكان, تنافس ليس بين الحق والباطل وإنما بين حقين, فلا يمكن لمعارضة جادة أيا كان انتماؤها اعتبار مخالفيها نقيضا لوجودها وعامل فناء لها كما يتصور البعض, كما لا يمكنها خوض صراع أبدي مع الآخر المخالف والمنافس لها؛ لأن مفهوم المعارضة يأبى بكل بساطة الانسجام مع الثقافة السياسية المبنية على مبدأ التغيير الفوقي أو حتى استعمال التغير الإصلاحي كمظلة للتغيير, ولكن إن كانت المعارضة داخلية المنشأ وخارجية الهوى هنا يجب أن تكون نقطة نظام.
أما التحدي الأكبر الذي واجه مفهوم المعارضة فهو التنافس الذي قد صدر من الجمعيات السياسية التي تميزت بالانحسار خلف أهواء فردية وأيدلوجية غير قابلة للتطور (مذهبية), ويعود ذلك في تقديري إلى طبيعة النشأة والثقافة المجتمعية للحياة السياسية والدليل على ذلك ما أنتجه المواطن من برلمانيين وأعضاء بلديين مع احترامي للمترشح والناخب. لقد تميز الحراك السياسي التنافسي الذي تشكل بعد الاستغلال بالهشاشة والمحدودية في التعبير التمثيلي عن المصالح الاجتماعية المختلفة, وهنا ساء الاضطراب في المجال السياسي, وأخذت الاضطرابات الاجتماعية والسياسية تكتسب سمات المزايدة, والدليل ضعف الجمعيات السياسية أو المراهنة على المراهقين عمريا وسياسيا في التأجيج. وهنا أقول إن المعارضة السياسية التنافسية ستتوارى أو تنعدم, لصالح المجال التضامني المحكوم برمته من قبل السلطة والذي يتميز بالخلاف على الفروع وليس على الأصول, ولا مكان هنا بطبيعة الحال لما يسمى بالمعارضة. والسبب أن المعارضة والحراك السياسي في البحرين لا يعترفان أصلا بمجال سياسي عمومي يتوسط ما بينهما وبين المجتمع ولكن يعول على المؤسسات الخيرية والدينية لكسب التأييد.
في المقابل، إذا صدرت الإصلاحات السياسية من الأعلى بدرجة عالية من السيطرة سيبقى مضمونها صوريا. بما أن المعارضة قد سمح لها العمل ضمن القانون فيجب أن لا تتوارى في الظل أو الظلام للعمل على الشحن والتشكيك.
إن المتتبع للحراك السياسي لا بد أن يسجل أن الانقسام والتشتيت والصراع البيني كان السمة البارزة في نشاط هذه المعارضة. فقد ظهرت تصنيفات من مثل معارضة في الداخل وأخرى في الخارج, معارضة وطنية وأخرى لا تتمتع بهذه الصفة, أيضا كثرت الطروحات المعارضة التي تستند إلى أرضية فئوية أو طائفية.
لم أقصد فيما سبق وذكرت، أن أوجه اتهاما أو تشكيكا بأحد, ولكن أردت أن أشير إلى حالة مرضية في الأداء وفي الفعل السياسي كان من نتائجها إفقاد المعارضة جزءا من مصداقيتها على الأقل.
وهنا أود أن أؤكد أن أي فرد أو طرف مستقل في المعارضة لا يستطيع أن يدعي أن فهمه ونهجه يرسمان حدود المطالب الوطنية وهو بالتالي لا يملك حق أن يشير بإصبع الاتهام لمن هو خارج هذا الفهم.
سلمان ناصر
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2154 - الأربعاء 30 يوليو 2008م الموافق 26 رجب 1429هـ