صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري

فنجان قهوة

أحب القهوة لدرجة لا توصف ، يمكنني أن أتخلى عن وجباتي الأخرى كلها لكن لا أستطيع التخلي عن فنجان القهوة .

ابتعدت عنها أسبوعا كاملا كمحاولة للنجاة منها ، كنت أشرب كأس حليب كلما خطرت ببالي لكي أتعود على غيابها، أحسست بصفاء ذهن لم أعهده من قبل كأن القيامة قامت في رأسي وأتى الفناء على كل شيء ، كان هدوء مخيفا ،عقيما ، جعلني أحن إلى حالة اللاستقرار التي استوطنت دماغي طوال حياتي ، أحنّ إلى تلك الفوضى الخلّاقة و إلى تلك الثورات الولودة التي تمخّضت بصداع رهيب و أنجبت كل أفكاري ، أحسست بقلق شديد من هذا الصمت و الركود الذي تخضّب به رأسي وانني لم أعد قلقة.

هبط كأس الحليب إلى معدتي و ساد السلام فيها ، وغطى اللون الأبيض على كل شيء ، أحسست بشيء يشبه الهدنة التي لا جدوى منها ، في عز السلام الذي كنت أعيشه كنت أتمنى ان تنزل قطرة سوداء من القهوة إلى هذا البياض فقط من أجل أن تكسر لونه الممل.

إن الإدمان شيء غريب و مروّع ، يشبه الأخطبوط بأذرعه الثمانية عندما يشلّ الضحية و يذبذب عزيمتها و يضعفها بالكامل ، شعور هو في قمة التناقض يجعلك تشتهي الشيء رغم علمك بأنه يضرّك و لن تفكر أبدا في مقاطعته لأن ذلك أيضا يضرّك فتجد نفسك في دوّامة مخيفة ،عندما تفرح و تحزن، عندما تقلق و تهدأ عندما تشتاق و تتبلّد، عندما تبكي وتضحك ، عندما تأنس و تستوحش تحتاج إلى الشيء نفسه ليشاركك ذلك الشعور كأنه الشخص الوحيد الذي يفهمك و يفك شفرتك في هذا العالم .

إن الإدمان فخ خطير و مناور جدا له دبلوماسية محنكة عندما يتسلّل إليك من العادة و يحدث في نفسك ثغرة فيدستر نفسه كقانون ثم يقفز على الحالة النفسية و يحدث فيها انقلابا ليستولي على سلطة المزاج بالقوّة فتصبح حالتك النفسية في الأسر قصرا ، لأن اتّزانك بات مرهونا بذلك الشيء وتحت رحمته ، فالمدمن قد يقاطع العادة ويفلح في ذلك في غضون أيام لكن تبقى هناك فجوة عميقة في نفسه دائما تشعره بالحنين و الارتباط وقد تمتد الحالة لسنوات إذا كان التعلق شديدا فمتى ما استطاع هذا المدمن إشغال نفسه و ملأ تلك الفجوة بممارسة هوايات وأشياء أخرى يمكنها أن تروم ذلك الحنين و تهدهد حالة اليتم فيه سينجح المدمن و يخطو أول خطوة في الطريق الصحيح للنجاة من براثن هذا الشبح.
السؤال المطروح كيف استطاع هذا الشيء أن يجمع الفرقاء من طوائف المشاعر على طاولة واحدة رغم تناقضهم ليتعايشوا في سلام؟

عندما وقعت في غرام القهوة شربت منها فنجانا لأعبر لها عن مدى حبي ، وعندما قررت نسيانها بالابتعاد عنها شربت ثلاثة فناجين.

والآن حدّثوني عنكم ، كيف هي علاقتكم مع القهوة؟

#هبة الخالق