حكاية عجوز الصّحراء
من أروع قصص الأخلاق
الأمّ قلب كبير فحافظ عليه ،ولا تبكيه
في قديم الزّمان ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ حيّ من بدو ﻳﺴﻜﻨﻮﻥ ﺍﻟﺼّﺤﺮﺍﺀ ،ﻭﻣﻦ عادة هؤلاء القوم ﺍﻟﺘّﻨﻘﻞ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥﺇﻟﻰ آخر طلبا للمرعى ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺭﺟﻞ ﻟﻪ ﺃﻡّ طاعنة في السنّ ﻫﻮ ﻭﺣﻴﺪﻫﺎ ، ﻭهي ﻔﻘﺪ ﺫﺍﻛﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻏﻠﺐ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻬﺬﻱ و ذلك يضايقه أمام ﻗﻮﻣﻪ ! ﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻧﻈﺮﻩ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮ . ﻭﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﻳّﺎﻡ ﺃﺭﺍﺩا لبدو ﺍﻥ ﻳﺮﺣﻠﻮﺍ ﻟﻤﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮﻓﻘﺎﻝ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ: ﺍﺫﺍ شرعنا في الرحيل ، ﺍﺗﺮﻛﻲ ﺍﻣﻲ ﺑﻤﻜﺎﻧﻬﺎ ﻭمعها ما يكفيها منالزاد و الماء ،ﺣﺘّﻰ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬﻫﺎ ﻭﻳﺨﻠﺼﻨﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻤﻮﺕ !! ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺯﻭﺟﺘﻪ : ﺃﺑﺸﺮ ﺳﻮﻑ ﺍﻧﻔّﺬ ﺍﻭﺍﻣﺮﻙ .
في الغد رحل البدو ،و ﺗﺮﻛﺖ المرأة الأمّ العجوز ﺑﻤﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺰّﺍﺩ ﻭﺍﻟﻤﺎﺀ ،ﻭﻟﻜﻨّﻬﺎ ﻓﻌﻠﺖ ﺃﻣﺮﺍ ﻋﺠﺒﺎ ، ﻟﻘﺪ أبقت ﻭﻟﺪﻫﻤﺎ الصغير ﻣﻌﻬﺎ ، ﻭﻛﺎﻥ أبوه ﻳﺤﺒّﻪ ﺣﺒﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ . ﺳﺎﺭ البدو ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻨّﻬﺎﺭ نزل القوم ﻳﺮﺗﺎﺣﻮﻥ، وأفسحوا المجال لمواشيهم لكي ترعى . و عندما طلب ﺍﻟﺮّﺟﻞ ﺍﺑﻨﻪ ﻛﺎﻟﻌﺎﺩﺓ .ﻘﺎﻟﺖ ﺯﻭﺟﺘﻪ : ﺗﺮﻛﺘﻪ ﻣﻊ ﺍﻣّﻚ ، ﻻﻧﺮﻳﺪﻩ .ﻗﺎﻝ : ﻣﺎﺫﺍ ؟ صاح بها ،إنّه إبننا الوحيد ... هل تعلمين ذلك ؟
ﻗﺎﻟﺖ : ﻷﻧّﻪ ﺳﻮﻑ ﻳﺮﻣﻴﻚ ﺑﺎﻟﺼّﺤﺮﺍﺀ ﻛﻤﺎ ﺭﻣﻴﺖ ﺍﻣّﻚ .ﻨﺰﻟﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺎﻟﺼﺎﻋﻘﺔ ، وﻠﻢ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻵﻧﻪ أدرك قبح فعله ﻣﻊ ﺍﻣّﻪ . ﺃﺳﺮﺝ ﻓﺮﺳﻪ ﻭﻋﺎﺩ ﻟﻤﻜﺎﻧﻬﻢ ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻋﺴﺎﻩ ﻳﺪﺭﻙ ﻭﻟﺪﻩ ﻭﺃﻣﻪ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻔﺘﺮﺳﻬﻤﺎ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ،.ﻭﺻﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺇﺫﺍ ﺃﻣﻪ تضمّ ﻭﻟﺪﻩ ﺍﻟﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ بقوّة ، ﻭﺣﻮﻟﻬﺎ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ، ﻭﺍﻷﻡ ﺗﺮﻣﻴﻬﺎ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻭﺗﻘﻮﻝ ﻟﻬﺎ : ﺍﺑﻌﺪﻱ ﻫﺬﺍ إبن ﻓﻼﻥ . ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﻷﻣﻪ ﻗﺘﻞ ﻋﺪﺩﺍ ﻣﻨﻬﺎ بقوسه،ﻭﻫﺮﺏ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ، ﺣﻤﻞ ﺃﻣﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﻫﻮ ﻳﺒﻜﻲ ﻧﺪﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻌﻠﺘﻪ ، ﻭﻋﺎﺩ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ، وﺼﺎﺭ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺑﺎﺭﺍ ﺑﺄﻣﻪ ﻻ تفارقها عيناه ، ﻭﺯﺍﺩ ﻏﻼﺀ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﻋﻨﺪ ﺯﻭﺟﻬﺎ . ﻭﺻﺎﺭ ﺍﺫﺍ شد قومه الرحال ﻟﻤﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻭّﻝ ﻣﺎ يركب ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻣﻪ ﻭﻳﺴﻴﺮ ﺧﻠﻔﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺳﻪ
أحبّائي .
ﻗُﻄِﻊَ ﺣﺒﻠُﻚ ﺍﻟﺴّﺮﻱّ ﻟﺤﻈﺔ ﺧﺮﻭُﺟﻚ ﻟﻠﺪُﻧﻴﺂ ﻭﺑﻘﻲ أثره ﻓِﻲ ﺟﺴﺪِﻙ ﻟﻴُﺬﻛُﺮﻙَ ﺩﺍِﺋِﻤﺂ ﺑِـ ﺇﻧﺴَﺎﻧﻪ عظيمة ، ﻛﺂﻧﺖ ﺗﻐﺬّﻳﻚ ﻣﻦ ﺟﺴﺪِﻫﺂ فلا تبكيها و لا تنهرها و قل لها قولا كريما.