حكاية حكمة الفقراء
من أجمل حكايات زمان:
ذات يوم ، جلس تاجر ثرى بين أصدقائه في غرور ، وراح يتحدّث عن ثروته التي كونها بدهائه، وفي أثناء حديثه ، جاءه جاره الفقير وقال : أيها الجار العزیز، الا اجد عندك عملا لي ، أكسب منه قوت یومي ؟ فدعاه الثري إلى الجلوس حتى يفرغ من كلامه ، ثم ينظر في أمره.. جلس الفقیر ،وراح یستمع الی حدیث الثري عن أمواله ، فلم يعجبه ، فقال : ألا تذكر فضل الله عليك ، وتحمده على هذه النعمة ؟ قال الثري في غيظ : لقد طلبت منك أن تجلس ، لا أن تقول رأيك فيما أقول . . لو كان لك رأي لما كنت في هذه الحالة تستجدي إحساني، الله حكم عليك بالفقر ،أمّا أنا أقدر أن أعطيك مالا کثيرا. قال الفقیر : الله وحده هو المغني ، ولدیه خزائن السموات والأرض .،وهو الذي. أعطاك ،ردّ الثّري هذا كلام الزّهاد ، أما أنا لقد تعبت و شقيت لجمع مالي ،هل تعلم هذا؟
قال أحد الحاضرين : المغني هذا اسم من أسماء الله الحسنی، فقال الثري في تعجب : احقا؟ لم اکن أعرف هذا ؟ قال الفقير : لقد أعمى المال بصيرتك،وألهاك عن دينك، الله ، هو وحده المغني فهو الذي يستطيع أن يجعل الفقير غنيا ، وهو الذي يأخذ من الغني غناه . يعطى ما يشاء بلا حدود ، ولا تنفذ خزائنه أبدا فضحك الثري و قال : إذن أطلب من الله أن يغنيك مثلي .
قال الفقير : وما يدلّ عليه إسم المُغني ، أنّ المال في الدّنيا مال الله ، وهو يستخلفنا فيه یعطي هذا ما یشاء، والآخر ما یشاء . ولكنه عطاء تمتّع، وليس عطاء تملّك ، فلا يأخذ الإنسان من ماله إلاً قدر مایتمتع به في الحیاة الدنیا، ثم یتركه لغیره بعد موته قال أحد الحاضرين : ما أجمل هذا الكلام أيها الرجل، قال الفقير : ومما يدل عليه اسم المغني ، أن الله يُعطى الإنسان المال بأمره ، فلا يضمن أن يدوم، لأن الله قادر على أن يهلك ماله ، فيصبح بلا مال .
قال الثري منزعجا : کفی لقد علمنا، قال أحد الحاضرين : قل يا شيخ، والله ما نجد أفضل من هذا الحديث ، قال الفقير : إن الإنسان عاجز عن أن يحتفظ بما يملك ، فلو کان قادرا علی ذلك ما فارقته النعمة أبدا ، وما ضاع ما يملك، ولكن الله هو المغني ، صاحب الرّزق نفذ صبر الثري، و قال :یا رجل ، ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟ فحدیثك لا يسمن ولا يغني من جوع، المهم هو كيف تربح المال رد الفقیر : و من خصائص إسم المغني، أنه یجعل عبده المؤمن يعيش حياة الغنى ، دون أن يعطيه مالا ، يمنحه القناعة والرضا، فيغنيه ذلك عن متاع الدّنيا . قال أحد الحاضرين: حقا يا شيخ ، فأنا والله لا أملك إلا قوت يومي وأحمد الله عليه، قال الفقير : الإنسان إن كان صالحا لا يريد إلا رضا الله ، وذلك يغني الإنسان عن كل ما لا يقدر عليه ، قال الثري في غضب: أيها الرجل، لقد أتیت تطلب عملا، وقد فكرت فلم أجدك تحسن إلا الكلام، قال الفقیر : وما یدل علیه إسم المغني، إن الله ، حين يرضى عن إنسان يغنيه عن الناس فلا يجعل حاجته في يد أحد يذله، بل يغنيه عن خلقه جميعا نهض الرجل الثري و قال في ضیق : هذا الکلام لا معنی له، فساذهب لحالي لاعدّ تجارتي ، فأنا علی موعد غدا مع صفقة ستجعلني أكثر ثراء، ثم ترك الحاضرين ، ومضى إلى بيته يجمع أمواله لصفقة الغد ، التي يحلم بها .
وبينما الفقير يتحدّث مع الحاضرين جائهم رجل سلم عليهم، ثم قال : هل فيكم. من يريد أن يعمل عندي ؟ فأشار الحاضرون جميعا إلى الرجل الفقير، فقال الرجل : حسنا، ثم أخرج بعض النقود من كيسه ، وقدّمها للفقير وقال : خذ هذا أجر يوم مُقدّما تشتري بها ما تصلح به حالك، وغدا تأتي للعمل عندي في مخازن الأعلاف، قال الفقير وهو ينظر إلى النقود التي دفعها له الرجل : ولکن هذا کثير یا سیدي، قال الرجل : هذا من عند الله . فسر الفقير وشكر الله ، وإستأذن الحاضرين فقالوا له : أعجبنا حديثك عن إسم المغني ، فلم لا نجعل جلسة الغد عن إسم آخر من أسماء الله الحسنى ؟
قال الفقير في سرور : غدا إن شاء الله لنا موعد، ثم مضى. وفي مساء اليوم التالي ، حضر الفقير من عمله ،وقد لبس ثوبا جديدا وحلق شعره ،و تعطر للقاء الأصدقاء فوجدهم يلتفون حول الثري، وقد بدا عليه الحزن والألم ، فسألهم عن السبب، فقال الثري : سمعت حديثك بالأمس فلم أصدق ، واليوم قمت بعمل صفقة ، فاحترق المخزن ومعه كل البضاعة التي إشتريتها ووضعت فيها كل ثروتي، حقا إن الله هو المغني.
نتعلم يا أصدقائي أن لا نتكبر على الناس، وأن نساعد الفقراء وأن لا شيئ يدوم الا وجه الله الكريم ،والله قادر على كل شيئ