التقارير المثيرة تطوى بهدوء
رضي الموسوي
هكذا هي الحال، فالغضب والاستثارة التي لاحظها المراقبون في جلسات مجلس النواب حول تقرير لجنة التحقيق في أملاك الدولة العامة والخاصة تطوى الآن بهدوء، لا يعكر صفوه إلا بعض التصريحات من طراز تصريح رئيس اللجنة النائب عبدالجليل خليل الذي سلم أمره لصاحب الأمر وأعلن أن اللجنة الوزارية التي تشكلت قبل يومين هي البديل عن استجواب وزير المالية، ليسدل الستار النيابي على متابعة التقرير الذي يعتبر من أهم التقارير المهنية وأخطرها، لما يحتويه من معلومات مرعبة لواقع البحرين ومستقبلها.
تناوب النواب في جلستهم الماضية التي خصصت لاستكمال مناقشة تقرير أملاك الدولة، فشنوا هجوما متتابعا وكأنهم في ماراثون، ما أن يصمت أحدهم، لا فضَّ فوه، حتى يأتي زميله ليكمل ويعيد ما قاله المتحدث السابق.. وهكذا منذ الصباح حتى العصر. ارتاحوا قليلا ثم واصلوا مشاويرهم الاعتيادية اليومية. كلهم تحدثوا عن الفساد الإداري والمالي، وأعادوا التذكير بالأرقام الفلكية للأراضي التي استحوذ عليها أفراد من الملكية العامة. لكن المهم في الموضوع أن التوصيات الصادرة لا تخرج عن كونها توصيات يمكن الأخذ بها ويمكن إرسالها إلى متحف التاريخ وتجميدها على الأرفف، ويبدو أن الأغلب سيكون الخيار الثاني، خصوصا في ظل التداعيات المتتالية لتوابع ما تم اكتشافه من حالات فساد حولت للنيابة العامة التي تستنفر هذه الأيام بحثا عن صيد ثمين يطوي الملف ويخفف من وجع الدماغ. فالفساد قد أخذ في التمدد بطريقة أصبح من الصعوبة معها وقفه في ضوء الإجراءات والرتم البطيء الذي تسير عليه البلاد، ذلك أنه يضرب الآن في أرجاء كثيرة، وينخر في أساسات المجتمع بصورة لم يعد فيها ''السكوت من ذهب''، ولا ينفع معها حجم المعلومة التي هي أساس الشفافية والسلاح الأمضى لمواجهة المفسدين في الأرض، الذين لم يعترفوا ولا يريدون أن يعترفوا أو يتعرفوا على تعريفات الفساد ومقاربتها مع الحال الذي وصلوا إليه. تعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه ''استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة''، بينما يعرفه البنك الدولي بأنه ''إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص''، وهو بذلك قدم تعريفا قد يكون أقل تشددا من المنظمة. ونتمنى ألا يخرج أحد ليقدم تعريفا خاصا بالمجتمع البحريني عن الفساد، كونه آفة مثل مرض السرطان الذي يحتاج إلى علاج محدد سواء كان في فنلندا التي تتمتع بأدنى مستويات في معدل الفساد حسب المقياس العالمي، أو الصومال وبنغلادش اللتين تأتيان في أعلى هرم الفساد على نفس المقياس. وعليه فإن التعريف العالمي هو الذي يجب أن تسير عليه أي جهة تحقق وتدقق في قضايا الفساد، وليس هناك أية تعريفات محلية لهذا النوع من الأورام الاجتماعية القاتلة، كما ليس له وصفة إلا اجتثاث من يفسد ويسرق قوت الناس ومستقبل الوطن. وهنا بالمناسبة الامتحان الحقيقي والأهم للانتماء الوطني بعيدا عن أي تداخلات سياسية أو مذهبية.
لكي لا تذهب مع الريح كل الجهود المبذولة في سبيل مكافحة الفساد، على الجميع أن يستيقظ متسلحا بالوعي الضروري لمعرفة التطورات الدراماتيكية التي قد تأتي من حيث لا يحتسب أحد.