رئيسة المحكمة
منذ أن بدات محكمة العدل الدولية النظر في الدعوى المرفوعة من حكومة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، مطالبة بإدانتها بتهمة الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، واتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين في القطاع، اهتمّ الكثيرون بتصفح السير الذاتية لقضاة المحكمة البالغ عددهم خمسة عشر قاضياً، أضيف إليهما قاضيان يمثلان طرفي الدعوى: جنوب إفريقيا، رافعة الدعوى، وإسرائيل.
مبعث هذا الاهتمام بسيّر هؤلاء القضاة وإلى أي بلد ينتسبون، هو التخمين بطبيعة الحكم الذي ستنتهي إليه المحكمة، على الأقل في المرحلة الأولى، المتصلة بإجراءات مؤقتة وفورية لحماية المدنيين من الإبادة، وكون الكثير من هؤلاء القضاة ينتسبون إلى دول غربية يعرف عن حكوماتها الانحياز للسردية الإسرائيلية حول ما يجري في غزّة، بل ودعم إسرائيل عسكرياً ولوجستياً فيما ترتكبه من جرائم هناك، نشأ انطباع أولي أقرب إلى التشاؤم من أن يصدر عن المحكمة حكماً كالذي أصدرته قبل يومين، الذي تضمنت الكثير من بنوده إدانة ضمنية لممارسات تل أبيب في غزّة، وكانت رئيسة المحكمة القاضية جوان إب دونغو في مقدمة من دارت التساؤلات حول الموقف الذي ستتخذه، وهي الأمريكية الجنسية.
لم تكن جنسية الرئيسة وحدها مبعث التوقعات السلبية حول القرارات المنتظرة من المحكمة، وإنما خلفيتها المهنية أيضاً، فجوان دونغو المولودة في نيويورك عام 1956، والحاصلة على درجة الدكتوراة في القانون عام 1981 تبوأت مواقع قيادية في أجهزة السلطة في بلادها. صحيح أنها بدات حياتها المهنية أستاذة للقانون في عدد من كليات الحقوق الأمريكية، لكنها عملت أيضاً نائبة للمستشار العام في وزارة الخزانة، والأهم عملها مستشارة قانونية لوزير الخارجية ولرئيس البلاد في الفترة بين 2007 – 2010.
بوصفها رئيسة لمحكمة العدل الدولية منذ عام 2021، وأعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي انتخابها لولاية جديدة لرئاسة المحكمة مدتها تسع سنوات تبدأ في 16 من فبراير/ شباط المقبل، فإن جوان دونغو تصرفت بما يليق بالقاضي المستقل والنزيه، المتجرد من الانحيازات السياسية الضيقة، واحتكمت لما يمليه الضمير وتنصّ عليه القوانين والمواثيق الدولية، فكان أن نطقت بالحكم التاريخي ضد ممارسات إسرائيل في غزّة مسنودة بأغلبية ساحقة، وربما غير مسبوقة، من قضاة المحكمة، في المطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين في القطاع.
صحيح أن الحكم لم يتضمن المطالبة بوقف الحرب، لكن بنوده المختلفة تحمل عناصر إدانة لممارسات إسرائيل في غزّة، خاصة وأنها قضت بأن على تل أبيب أن تقدّم تقريراً خلال شهر عما فعلته لتنفيذ القرارات، مخضعة إياها لرقابة قضائية محايدة يعتد بصدقيتها، ولا يقل أهمية رفضها للطلب الإسرائيلي برفض النظر في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا.
https://www.alkhaleej.ae/2024-01-28/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9/%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%85%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A-%D8%B2%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7