لا تدخل غريبا لا تعرفه لبيتك
سهى فتاة في سنّ الثانية والثلاثين ،تعمل معلّمة باحدى المدارس الابتدائية. تزوّجت رجلا من أقاربها إسمه فوّاز ،وهو مدير مبيعات في شركة . وقد تأخّرت في الانجاب لمدة سنتين. الى ان بشّرتها الطبيبة بانّها حامل ففرحت كثيرا ،وبعد ان وضعت مولودها اصر زوجها على استقدام شغّالة من الفيلببن لتساعد زوجته في أعمال البيت ،وتهتمّ بالطفل محمّد ،ولمّا رأتها سهى إنقبض صدرها ،وقالت لزوجها :والله إني لا أرتاح لها يا فوّاز ،فهي لا تضحك أبدا ،فأجابها لقد جئنا بها للعمل وليس لتضحكنا !!! وعموما ليس هناك أرخص من الآسياويات ،ولقد نصحني بهن أحد أصدقائي الذي لديه واحدة ،ومصروف إبنه هو أكثر من أجرتها ،فانزعي عنك هذه الوساوس يا امرأة !!! وبعد اجازة الامومة رجعت الزوجة الى المدرسة. لكن بعد أيام رجعت للدار في المساء ،ولما أخذت الطفل بين يديها كان لا يتحرّك ، وكان عمره فقط ثلاثة أشهر ،وجاء تقرير الطبيب الشرعي ليثبت أن الوفاة طبيعية وهي ناتجة عن قصور في عضلة القلب ،ولم يشكّ أحد في الخادمة التي كانت نظيفة ومرتّبة .
قالت سهى لزوجها هل صدقت الآن لما قلت لك إني لا أرتاح لهذه المرأة ،وأحسست كأن مصيبة ستحل علينا.لكن الزّوج ،وقال: إستغفري ربّك الذي أعطى أمانته، ثم أخذها ،لا تتّهمي الشّغالة بالباطل لمجرّد إحساس ،تفطّنت المعلّمة أنّ تلك الشّغالة تقوم بتصرّفات غريبة ،فكلما أحظر الزّوج بطة أو أرنب كانت تقطع الرأس، وتعلّقه في حبل في المطبخ بعد أن تفقأ عيونه ،وأصاب ذلك المرأة بالخوف ،ونبّه الزّوج على الشّغالة لكي لا تقوم بهذه التّصرفات المشينة مرة أخرى ،وفي بعض الأحيان كانت المرأة تسمع صوت بكاء في الليل ،ثم صوت ضحك ،ولكن لما توقظ زوجها من نومه ،يتوقف كل ذلك، ويخيّل إليها أن تلك الأصوات تصدر عن إبنها الذي مات ،لكنها لا تقول شيئا، لكي لا يتّهمها زوجها بالجنون .
مرّت الأيام ،ورزقت سهى ولدا للمرّة الثانية ،ووأصرّ فوّاز أن يسميه محمّد مثل الأوّل ،وخلال إجازة الأمومة كانت المعلمة تراقب الشغالة ،وكثيرا من المرّات تدخل غرفتها وتنظر في الأرفف والأدراج لكن لا يوجد شيئ مشبوه ،الشّيئ الغريب أن تلك الشّغالة لا تستعمل الأدوية ،ولا واحد عندها ،وزاد ذلك من قناعتها أنها تلجأ للسّحر ،لكن لا دليل واحد لديها .ورغم الافكار السوداء التي راودتها باحتمال فقد الطفل الثاني، الا انّها توكّلت على الله،ورجعت إلى عملها ،ومضت الأشهر ،وإعتقدت المرأة أن كلّ ما فكّرت فيه هو من وحي خيالها ،لكن أحد الأيام اتّصلت بها الشّغالة ،وأخبرتها أن إبنها ليس بخير ،وقد طلبت له الإسعاف ،جرت المرأة للمستشفى ،وهنا أخبروها أنهم لما ذهبوا إلى دارها ،وجدوا الطفل قد مات ،ومرّة أخرى أشار تقرير الطبيب أن الوفاة طبيعية ،وحقّقت الشرطة مع الشّغالة ثمّ أطلقوها ،وكل الناس قالوا لها إن ما حصل قضاء وقدر، فاصابها حزن كبير ،وصبرت على مصابها ،وكل يوم كانت تدعو رب العالمين ليرحمها ،ويخفّف لوعتها ،لكن إحساسها كان يقول بأنّ تلك الشّغالة لها دور فيما حصل .
ولمّا كلمت زوجها قال لها ببساطة : حسنا !!! سأصرفها ،لكن مقابل ذالك تكفّين عن العمل ،وتبقين في الدار ،وبالطبع لم تكن سهى مستعدّة للتضحية بعملها ، وبعد اشهر حملت المعلمة للمرّة الثالثة،وحين إقترب موعد الولادة ،فوجئت بالشّغالة تطالب منها إجازة لمدّة ثلاثة شهور، لانّ والدتها مريضة. ويجب أن تعود لبلادها للاعتناء بها ، فطلبت منها ان تنتظر حتى يأتي فوّاز بواحدة جديدة كي تحلّ محلّها أثناء غيابها
يوم السّفر ذهبت المعلمة مع الشغالة الى السوق لشراء هدايا لها ولاقاربها ،وأخذت لها كلما إشتهته نفسها. في المساء ،دق جرس الباب فإذا بها الشغالة الجديدة التي أرسلتها وكالة الخدمات، وكانت تنظر باستغراب لكثرة الهدايا والاغراض التي تحملها زميلتها التي ستسافر هذه الليلة ،تعجبت المعلمة لما رأت بالشغالة الجديدة تلتفت يمينا ويسارا ،ثم تهمس لها لدي كلام اريد ان اقوله لك فقادتها لغرفتها ،وهي تشعر بالقلق وأغلقت الباب ورائهما قالت الشّغالة :لا اعرف من أين سأبدأ، ولكن اخبريني هل كان لديك من قبل أطفال فقالت لها المعلمة :نعم طفلان. وقد توفيا. سألتها الفتاة: وهل تعرفين سبب موتهما ؟
انقبض قلب المعلمة ،وقالت لها بحدة :اخبريني ما الذي تريدين قوله ؟أجابت الفتاة: أنا أعرف المرأة التي كانت عندك ،وكنّا نعمل معا في المستشفى لمّا كنا في الفليبين ،وفي أحد الأيام سمعنا عن عرض عمل للعناية بالأطفال في السعودية فقررت عدد من الممرّضات السفر، رغم حرارة الطقس والإشاعات عن سوء المعاملة، فالأجر هناك أحسن والمعيشة أفضل. وفي البداية كانت تلك المرأة مرحة لكن في أحد الأيام أجبرتها صديقتها في العمل أن تظل مستيقظة طول الليل ،بعد أن ذهبت للسهر ،ولم تأت في موعدها لتعويض زميلتها وفي الصباح أجهضت جنينها الذي كان في بطنها بسبب التعب ،،وعانت لشهور من كآبة شديدة ،ولما حملت صديقتها، وأنجبت طفلا ،وجدوه ميتا بعد ثلاثة أيام ،وكانت المرأة تلك الليلة آخر من إقترب من الطفل قبل موته ، وتم إتهام تلك المرأة بقتل الطفل ،وبعد التحقيقات لم يثبت ضدّها شيئ ،وتم نقلها إلى قسم ثاني لا تقابل فيه الأطفال ،لكنّ إدارة المستشفى أخفت بعض الأدلة للحفاظ على سمعتها ، ،ثم إنقطعت عني أخبارها حتى رأيتها اليوم تخرج من عندك محملة بالهدايا ،ولقد عرفتها على الفور رغم التغيير الذي طرأ على هيئتها
سألتها ربة الدار لكن التقرير كان يقول أن الوفاة طبيعية ؟ردت الشغالة في بلدنا هناك أعشاب لا تنمو إلا عندنا وبعضها سام لا يترك أثرا ،طلبت المرأة من الشغالة الجديدة الإنصراف بعد أن دست في يدها ورقة مالية كبيرة ،وقالت لها لو إحتجت إليك سأناديك ،ثم أمسكت برقبة الشغالة القديمة وقالت لها هل صحيح أنك قتلت أبنائي ،ولماذا هل أصبح القتل لعبة لديك وعلا الصياح ،ولما حضر الزوج وسمع الحكاية حملها للشرطة وهو يصيح: حسبنا الله ونعم الوكيل لكن الشّغالة لعبت دور الضّحية واتهمتهم بأنهم فعلوا ذلك لكي يطردوها دون دفع أجرتها ،ورفعت عليهم دعوى بالعنف ،وطالبت بالتعويض ،ولم يقدر الزوج أن يثبت عليها شيئا ،واضطرّ إإلى إعطائها عشرة آلاف ريال سعودي، واعتذر منها ،وجمعت كلّ الهدايا التي إشتروها لها ،ثم ركبت تاكسيا إلى المطار،وقد أصبحت عينيها ضيّقتين من شدّة الحقد ،لكن الشّغالة لم تنتبه أنها حين تعاركت مع المرأة هناك كيس صغير تخفيه في حقيبتها اليدوية قد تمزّق ،وتناثر محتواه ،وكانت تلك العشبة السّامة التي قتلت بها الأطفال الثلاثة دون أثر ،وحين مرت بالجمارك جرى نحوها أحد الكلاب البوليسيّة ،وبدأ يتشمّم الحقيبة، ولمّا سألها الأعوان عن تلك العشبة قالت لهم أنها دواء لمعدتها ،فقال لها أحدهم إذن لن يحصل لك شيئ إن أكلت منها ،فرمت الحقيبة، وصاحت :لا أريد ،فأوقفوها ،ومنعوها من ركوب الطائرة .
وبعد أيّام جاءت نتيجة التحليل وثبت أن ما تحمله معها سمّ يأدّي لتوقف القلب ،وبالتالي تظهر الوفاة طبيعية ،وقال الأطباء: أن ذلك يمكن أن يفسّر الموت الغريب للولدين .أرسلت الشّرطة الشّغالة للفلبين لتقضي عقوبة بالسّجن المؤبد ،وتمّت محاكمة المستشفى الذي كانت تعمل فيه ،واسترجع الزوج ماله الذي دفعه والهدايا ،أما المعلمة فتفرغت لتربي ولدها الثالث ، لتكن هذه الحكاية عبرة للواتي يتركن صغارهن في أيدي أجنبيات عن بلادهن ،وكم من طفل سيموت قبل أن يتوقفن عن إهمال بيوتهم وتركها للغرباء ..
منقول
#الكاتب_رامى_رجائي