التعليق الرياضي التلفزي وأثره في الطلاب...
عصام الشوالي ظاهرة لفظية
لم أكن أعرف الرجل ولا خطر على بالي أن أعرفه يوما لو لم أجد الطلاب شغوفين به ويسألونني أحيانا: «من تتابع من المعلّقين في مباريات الكرة يا أستاذ؟» قلت لهم :«وهل لي الخيار في ذلك؟» ثم فهمت الأمر.
ووجدت الشباب متأثرين جدا بهذا المعلق الرياضي فصرت أميل إلى الاستماع إليه حين أتابع بعض المباريات العالمية خاصّة. يبدو متمكنا جدا من مهنته بل يبدو ماهرا ونشيطا فكريا، لا بل ويزود مستمعه بقافلة من المعلومات التاريخية عن البلدان والمدن التي ينقل مباريات منتخباتها ونواديها فيجد المتابع - ومنهم الطلاب خاصة محط اهتمامنا في عمودنا هذا بما أنهم الفئة الأكثر استماعا إليه - سيلا جارفا من المعلومات عن الشخصيات التاريخية والحوادث المهمة منها ما يتعلق بالرياضة وكثير منها يتعلق بالسياسة والاجتماع وغير ذلك.
والمتأمل - تربويا - في ثنايا نقله التلفزي الرياضي يقف على الكثير من جوانب الطرافة والمتعة الكروية في ما يقوله، حيث يلهب هذا الإعلامي حماس المستمعين بما يضفيه على المباراة من طابع الحيوية تفوق أحيانا كثيرة حجم المباراة نفسها لكن يبقى ذلك في حيز الاجتهاد المقبول في مجال عمله الاحترافي المشهود له.
غير أن المتابع لمباراة الكلاسيكو الأخيرة بين ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين يلاحظ وبدون عناء أنّ المعلق عصام الشوالي قد تخمّر من شدّة إعجابه بالمباراة. ونظرا لروعة المباراة ولأن اللعب كان متواصلا تقريبا بدون انقطاع بل وبنسق في اللعب أسرع أحيانا من نسق الشوالي السريع في التعليق، فإن المعلق لم يكن بحاجة إلى تأثيث الفراغ الذي يسببه تقطع اللعب عادة بمعلومات تاريخية أو أساسية أو غيرها لكن عصام الشوالي كان له رأي آخر؛ حيث عمد بين الفينة والأخرى إلى جمل وتعليقات ومعلومات تسيء علميا وتربويا إلى المستمعين خاصة وأن السواد الأعظم منهم من الشباب المدرسي الذين باتوا يعشقون هذا المعلق وبالتالي فإن التأثر بما يقوله يصبح من تحصيل حاصل.
والرجل - ما شاء الله - لا يعرف السكوت بل لا يكاد يلتقط أنفاسه حتى تتسابق الجمل إلى مسامعنا في غير روية أحيانا ولا اتزان فكري ونظرا للهاثه وراء الألفاظ تجد له الكثير من السقطات من ذلك وفي إطار تعظيمه المفرط للقاء الكلاسيكو الأخير استعرض طائفة من المعلومات التاريخية كفتح طارق بن زياد للأندلس وما فعله عبدالرحمن الداخل ثم ثنى على ذلك بما أنجزه ملوك الإسبان وغيرهم لينتهي في الأخير إلى ما معناه «كلّ ذلك من المنجزات التاريخية كوم ومباراة الكلاسيكو كوم ثاني» على حد العبارة الشعبية وقال في سياق آخر بعد أن استعرض كعادته مشاهد من التاريخ مهمّة: «لا شيء يعلو فوق صوت الكلاسيكو» ثمّ وبمجرّد مشادة لفظية أو جسدية بين لاعبين من الفريقين يقفز عصام على واقع المباراة الرياضي وبكل ثقة في النفس يربط ذلك بالصراع السياسي بين منظمة الباسك والحكومة الاسبانية على أساس أن الريال فريق الملوك وبرشلونة جغرافيا مأوى المعارضة ولم تكن تلك المشادة اللفظية أو الجسدية سوى حدث رياضي عابر وطبيعيّ بين لاعبين محترفين من بلدين آخرين لا علاقة لهما بهذا الصراع السياسي الذي يوهمنا به المعلق وكأنه أقرب إلى استعراض معلوماته منه إلى تعليق رياضي موضوعي مجاله الرياضة.
بل إنك ترى هؤلاء اللاعبين بما فيهم الإسبان بعد المباراة ورغم ثقل الهزيمة يتصافحون ويهنئون بعضهم لأنها فقط - يا عصام - مباراة كرة قدم لا تعلو على فتح طارق بن زياد للأندلس ولا على إنجازات المسلمين التاريخية في هذا البلد ولا على أي شيء مما قلت عن ملوك الإسبان قديما وحديثا، كما لا يمكن أن نفسر بكثير من التسرع أي مشادة بين اللاعبين بهذه الخلفية السياسية.
نعم جميل جدا أنت يا عصام في تعليقك بل أحدثت إنجازا بفضل مجهودك وجعلت الآخرين يبتكرون لهم طريقة في التعليق تميزهم عن غيرهم، لكن الحذر كل الحذر فمستمعوك أمانة بين يديك فما بالك إذا كانوا من المراهقين وما أرجوه أن لا يهدم تعليقك ما يبنيه الآخرون حول معرفة تاريخ الشعوب والأمم من أجل إبراز قيمة مباراة كرة قدم لا ناقة لنا فيها ولا جمل سوى ملء فراغنا - نحن العرب - وإن جاز أن نملأ فراغنا بمتابعة مباراة كرة قدم فإنه لا يجوز أن نملأ أدمغة أولادنا بأوهام ومبالغات ما أنزل الله بها من سلطان.
سليم مصطفى بودبوس
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3014 - الثلثاء 07 ديسمبر 2010م الموافق 01 محرم 1432هـ