السادة ديوان الخدمة المدنية... هل ما حدث كان بسبب جهل بالقانون؟
وطني يافع في شبابه، بارع في فكره، نابع في عقله...
تحدى المستحيل فأكمل دراسته الجامعية في الخارج رغم الفاقة وانعدام الملاءة.
أعرف عنه أنه لا يطيق الحزن، رابط الجأش، ويمقت اليأس...
لكنه هذه المرة كاد أن تأسره الدمعة حزنا للظلم والحيف اللذين أصاباه.
قال لي: أنا لست حزينا بسبب ظلم ظالم، فربي هو حسبي ووكيلي وهو نعم الوكيل.
إنما حزني وبثي لأسباب هذا الظلم، ولأن هذا السبب هو أعظم من الظلم.
أوقفه الجأش حقا، وغص حلقه، ورمقني بنظرة خافتة حبست دمعتها، ثم همس بشفاه لم تقوَ على النطق، وكأنه يقول لي بصمت: «أخي» أنت تعلم ما أقصد، وقد كتبت عنه أنت ذات مرة لكونه داء أوهن جسد هذا الوطن.
أومأت له بصمت أنا أيضا: نعم أخي أعرف ما تقصد، وقد كتبت عنه ذات مرة، وسأكتب عنه طالما هناك رأي حر.
سرد لي هذا الشاب قضيته، وقد سطرتها فملأت عندي أكثر من صفحة، لكني أوجزها وباختصار شديد فيما يأتي:
حصل على ليسانس في علم الاجتماع من جامعة بيروت العربية العام 2006. وبتاريخ 1/11/2007 تم تعيينه بمهنة باحث اجتماعي في مرفق عام (وزارة حكومية) تعنى برعاية الكثير من صنوف الخدمات الاجتماعية، إلا أن تعيينه وُضع تحت ما يسمى بـ«التوظيف المؤقت»، واستمر في عمله تحت هذا النظام لغاية شهر فبراير/ شباط 2009، حيث تم توظيفه بشكل رسمي في هذا التاريخ.
لكنه وبعد مضي خمسة أشهر من تعيينه بشكل رسمي وبالتحديد بتاريخ 23/7/2009 تلقى خطابا يحمل قرارا موقعا من وكيل مساعد بهذا المرفق العام يقضي بفصله من العمل. وقد عزا هذا الأخير فصله لعدم تجاوزه فترة التجربة بنجاح. في حين كان هذا المفصول يحمل الكثير من التقييمات الإدارية السابقة التي تؤكد صلاحيته وكفاءته والتي لم يمضِ على آخرها مدة شهر ونيّف من تاريخ فصله.
ولكي لا أذهب بعيدا في البحث عن سبب الظلم الذي أحزن هذا الشاب، أكتفي بالوقوف على مدى مشروعية فصله من عدمه.
فقد سبقت الإشارة إلى أن قرار فصل هذا الشاب كان معزوا إلى عدم تجاوزه فترة التجربة بنجاح، طبقا لما جاء في قرار الفصل آنف الذكر.
وحيث أن الموظف الذي يعمل في القطاع العام سواء بنظام العمل الدائم أو المؤقت يخضع لقانون الخدمة المدنية رقم (35) لسنة 2006 ولرقابة ديوان الخدمة المدنية، باعتبار أن هذا الديوان هو وحده من يراقب تنفيذ هذا القانون، استنادا لأحكام المادة الثامنة من هذا القانون. فلا فرق بين من يعمل تحت مظلة العمل المؤقت والعمل الدائم إلا من زاوية الاشتراك في الضمان الاجتماعي، المنحصر بين الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي والهيئة العامة للتقاعد.
ولما أنه متى يعمل الموظف العام بنظام التوظيف المؤقت، ثم ينقل بعد مدة من الزمن إلى نظام التوظيف الدائم فإن خدمته الأولى تشفع للثانية، ومن ثم تعتبر خدمته للفترتين حكما متصلتين لكونهما خاضعتين لرقابة ديوان الخدمة المدنية، وخاضعتين أيضا بالتبعية القانونية لإدارة وإشراف الجهة التي يعمل فيها. فلا يجوز من ثَم خضوعه للتجربة مرة ثانية.
وبما أن قانون الخدمة المدنية سابق الذكر قد نص بمقتضى المادة (17) أن «فترة التجربة لمدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ مباشرة العمل». فهذا يعني أن هذا الشاب قد تجاوز فترة التجربة، من حيث أن خدمته يجب أن تحسب من تاريخ مباشرة العمل، استنادا للنص السابق، لا من تاريخ نقله من نظام التوظيف المؤقت إلى نظام التوظيف الدائم. فلو قدر أن يكون هذا الحكم هو بغير ذلك لكان هذا يعني خضوع هذا الشاب المفصول للتجربة أكثر من مرة، وهو حكم يتعارض مع القواعد العامة.
وبناء على ما تقدم نستنتج أن هذا الشاب قد تجاوز فترة التجربة أكثر من سنة، وأن قرار فصله من العمل بذريعة عدم تجاوزه هذه الفترة كان قرارا خاطئا، مما يجعل فصله تعسفيا من حيث أنه لا يستند إلى سبب مشروع.
غير أن ما يهمنا من أمر ذلك ليس هذا الاستنتاج بقدر ما يهمنا الوقوف حول أسباب هذا التعسف، لكي نعرف ما إذا كان ذلك ناتجا عن جهل بالقانون، أم أن هناك سببا آخر يتوارى خلفه.
إني لعلى يقين أن أصحاب القرار في هذا المرفق العام هم أكفأ من غيرهم، وأن هذا المرفق يمتلك من الكوادر التي يفخر بها الوطن من حيث المعرفة والخبرة، وبالتالي جاز لنا أن نستبعد جهلهم بالقانون.
فإذا كان الأمر كذلك، فما هو السبب إذا من وراء ظلم هذا الشاب باتخاذ قرار بفصله وقطع رزقه ورزق عائلته، وهو فعل يفوق قطع العنق، بناء على القول المأثور «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق».
نعم... قد أكون مع هذا الشاب «المظلوم» حين أومأ لي بأن وراء هذا الفصل سببا آخر قد يكون واحدا من إفرازات أمراض هذا الوطن، ونأمل أن يكون هذا الشك في غير محله.
إنما حينما ندرك أن هذا الشاب المفصول مواطن بحريني، وأن فصل المواطن البحريني من وظيفة عامة لا يكون بمجرد جرة قلم، ولا بقرار يوقعه وكيل مساعد. وأن قانون الخدمة المدنية زاخر بالقواعد والآليات التي تنظم الجزاءات التأديبية، والتي لم تطبق على أرض الواقع فعلا وإجراء بحق هذا الشاب.
وإذ أن هذا الموظف المفصول قد تم تقييمه أكثر من مرة من قبل رئيسه المباشر وكانت نتائج هذا التقييم تؤكد كفاءته ومقدرته والتي لم يمضِ على آخرها شهر واحد من تاريخ فصله.
وحيث توصلنا فيما سبق إلى أن السبب الظاهر لهذا الفصل (أي عدم تجاوزه فترة التجربة بنجاح) كان في غير محله. ولما أن أصحاب القرار في هذا المرفق العام هم أدرى من غيرهم بأحكام القانون، فما هو إذا سبب هذا الفصل؟
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2620 - الأحد 08 نوفمبر 2009م الموافق 21 ذي القعدة 1430هـ