للبلاهة صنوف وأعظمها تلك التي تجتمع فيها صنوفها
سُئل حكيمٌ؛ بما يكون الإنسان عَلََما؟ (أي مشهورا).
قال: عندما يكون أبلها فيصبح عَلَما ببلاهته.
قالوا له: ولما لا يكون الإنسان عَلَما بعلمه؟
قال: لا، لأن هناك من هو أعلم منه فيكون ذاك هو العَلَم.
قالوا له: ومن هو الأبله إذا؟
قال: الأبله هو من يسمي الأسماء بغير مسمياتها... ومن يسبب الأحكام بغير أسبابها.
ومن يفعل شيئا بغير سبب... ومن يجادل بغير حق.
إذا البلاهة صنوف، وأعتقد أن أبرزها وأعظمها هي من تجتمع فيها تلك الصنوف. فهذه حقيقة لا أخال من يجادل فيها غير الأبله.
لذا دعونا ننظر كيف تجتمع هذه الصنوف.
من البديهي أن الشعوب الحرة الواعية هي من تقف دفاعا عن أوطانها وقومياتها وقيمها ومبادئها وأصالتها وتراثها وثقافتها، وتذود عن مصالحها وثرواتها الوطنية.
وهكذا كان شعب البحرين كمنظومة تنتمي إلى تلك الشعوب عُرف عنه ومنذ مئات السنين أنه شعب مسلمٌ عربيٌ قح موصوفٌ بالبسالة والذود عن الوطن وعن هويته وثقافته وعروبته، وكانت أصالته العربية المتجسدة في أهله هي السمة البارزة لهذا الوطن وشعبه. ومن يجهل ذلك أو يجادل فيه عليه أن يقرأ تاريخ البحرين. فلم يكن الاستفتاء الشعبي في القرن الماضي برفض الوصاية أو الانتماء للفرس إلاّ دليلا قاطعا على ذلك. وأن الأقلام التي نلحظها والأفواه التي نسمعها اليوم تدافع عن أصالة هذا الوطن وهويته وثقافته ما هي إلاّ امتداد لتلك الجذور.
وإن من أبرز الدفاع عن الأصالة والهوية والثقافة هو مواجهة ما يعرف بـ «التجنيس السياسي» لتعارضه مع ظروف وواقع الوطن اقتصاديا وجغرافيا وحضاريا وهوية وثقافة.
فكان هذا الدفاع (أو الرفض أو المعارضة أو المواجهة) ليس من باب النكاية أو التمرد وإثارة الشغب، كما يقول البعض، إنما هو نابع من حرية الرأي وتعبير صادق عن أصالة هذا المدافع والمعارض والرافض.
بل إن هذا الدفاع يجب أن يُنظر إليه على أنه واجب وطني عندما ندرك أن هذا التجنيس لم يكن لغاية وطنية حقه، بل يغلب عليه الطابع السياسي.
وخير دليل على تسييسه أنه لم يكون مقتصرا على قومية عربية بل نال قوميات شتى، ولم يكن محصورا في دائرة أفراد ونُخب ذات شأن إنما في أفراد هم أقل شأنا من أبناء هذا الوطن، ولم يكن مبنيا على قانون أو نصوص أو استفتاء شعبي إنما هو قائم على أجندة وسياسة خفية لم يُعلن عنها رسميا وتجهلها الأمة، ولأنه أخيرا غير واضح في كنهه.
فإذا كان الأمر كذلك فالعجب أن نسمع من أفواه تدعي الوطنية والأصالة العربية تُمجد هذا التجنيس وتعتبره حقا. وليت هذا الأمر وحسب؛ إنما العجب كل العجب أن نسمع بعض الأفواه قد نطقت حديثا تقول إن أحقية التجنيس وأهميته تكمن في الحفاظ على عروبة البحرين.
يا إلهي... هل هذا بحق قول يتسم بالحكمة؟
فأي تجنيس يحفظ لهذا الوطن عروبته من مُجنَّسٍ لا يجيد لغة «الضاد» ونسمعه يقول بلا حياء ولا وجل «أنا بهريني»؟
وأي تجنيس يزيد الوطن عروبة وفخرا من مُجنَّسٍ لا يهمه من أمر هذا الوطن سوى خيراته ولا يؤمن بالانتماء إليه؟
وأي فخر وأية عروبة تُبتغى لوطنٍ من مجنسين عاثوا في الديار فسادا وذاقوا أهله ألوان الأذى والرعب والخوف.
وربي... سيجف القلم دون أن أنتهي من قول أي... وأي...
ولكن، أرحني أيها القائل وأجبني؛ كيف يكتسب الوطن العربي عروبته من مجنسين غرباء عن عروبته؟ أو غرباء عن هويته وثقافته وأصالته وحضارته؟
أليس من الواجب أن تُفصح بعقلك النيّر وتبين للشعب كيف يكون التجنيس كهذا وسيلة للحفاظ على عروبة البحرين، لا أن تقول كلاما مرسلا مبهما، فالقول المرسل المبهم يعبر عن جهالة قائله.
ثم أجبني: هل البحرين تنقصها العروبة حقا فتريد إكمالها، وبمن؟
اعتقد أنك متى امتنعت عن الإجابة وعجزت عن الإفصاح والإقناع فإن قول الحكيم فيما مضى قد انطبق عليك؛ إذْ سميت الأسماء بغير مسمياتها، وسببت الأحكام بغير أسبابها، وجادلت بغير حق، فتكون صنوف البلاهة إذا قد اجتمعت فيك، ونأمل أن لا تكون كذلك.
علي محسن الورقاء
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2626 - السبت 14 نوفمبر 2009م الموافق 27 ذي القعدة 1430هـ