القمة الخليجية الحادية والثلاثون
عبدعلي الغسرة
صحيفة الوطن - العدد 1825 الخميس 9 ديسمبر 2010
كالعادة في كل عام وفي مثل هذا الوقت يجتمع ملوك وأمراء أقطار مجلس التعاون في إحدى العواصم الخليجية، واجتماعهم السنوي هذا حمل الرقم ''القمة الحادية والثلاثين'' وفي مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، وتوافق عقد القمة مع الذكرى الأربعين لليوم الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وكالعادة أيضاً في ختام كل قمة يتم إصدار البيان الختامي الذي يحتوي على مجموعة من القرارات القديمة - الجديدة، يكرر إعلانها ويضاف إليها ما استجد من أحداث. ومنها؛ المواقف المشتركة تجاه القضايا السياسية الخليجية والعربية والإقليمية والدولية، ودعم القضايا العربية والإسلامية، والعمل على تطوير العمل الخليجي المشترك، وتطوير علاقات التعاون الخليجي مع دول العالم.
لكن هذه القرارات يحتاج تنفيذها إلى تنسيق حقيقي وجاد من جميع أقطار الخليج العربي، حيث إن الموقف المشترك من كل قضية تختلف رؤاه وفلسفته من قطر إلى آخر وفقاً لموقف وسياسة القطر من هذه القضية أو تلك أو من الدولة المعنية، فليست العلاقة الخليجية سواء في مجال العلاقات سواء العربية أو الإقليمية أو الدولية، فهناك مواقف وخصوصيات معينة لكل قطر في هذه العلاقات، لذا نقول أن هناك تفاهم تجاه القضايا السياسية الخليجية وليس تنسيقاً.
على سبيل المثال؛ قضية احتلال الجزر العربية الثلاث الإماراتية، في كل عام وعلى مدى الثلاثين قمة الماضية القرار هو القرار بشأن هذه القضية؛ وهو ''دعم حق السيادة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث..''، ولكن هل تم تفعيل هذا القرار؟ وهل عادت سيادة الإمارات على جزرها المحتلة؟ وفي هذه القمة قطعاً لن يختلف إصدار مثل هذا القرار.
كذلك بالنسبة لقضايا فلسطين والعراق والسودان ولبنان وأفغانستان والملف النووي الإيراني، وغيرها من القضايا الأخرى، وإن جرى عليها أي جديد.. فهو فقط ما استحدث منها والتي تتعلق بهذا البلد أو ذاك.
ولا ننسى أننا نقرأ من ضمن القرارات أن المجلس يرحب بجهود الرئيس الأمريكي بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن جميع البشر يدركون أن جميع الإدارات الأمريكية السابقة منها واللاحقة عملت وستعمل ضد مصلحة الأمة العربية وشعبها ولمصلحة العدو الصهيوني قبل مصلحة الشعب الأمريكي. وأيضاً أن المجلس ضد الإجراءات العبثية الصهيونية التي تمارسها في فلسطين المحتلة، وفي ذات الوقت نعرف أن هناك من الأقطار الخليجية تقيم علاقات مع العدو الصهيوني.
ولا ننسى رغم التغني بوحدة التراب الخليجي والمصير المشترك مازالت هناك أقطار خليجية تختلف مع شقيقاتها الخليجية على مجموعة من المواضع بينهما، أو اختلاف في مسائل إصدار النقد الخليجي الموحد، وغيره من الأمور التي لم تحل منذ ثلاثين قمة خليجية. إذاً فالقمم الخليجية لن تختلف إطلاقاً عن هوية القمم العربية، فالأشخاص ذاتهم يجتمعون أو من يمثلهم، وبنفس تقاليد مراسم الاجتماعات والموضوعات والمواقف، ثم ذات الكلمات والمعاني في كل بيان يصدر عن هذه القمة أو سابقتها.
مع ذلك، تبقى تجربة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تجربة عربية جيدة في الالتئام في بوتقة واحدة، وبالرغم من الخلافات الثنائية ومراحل من عدم الاتفاق إلا أنها بقت معاً ولم تتفرق طيلة سنوات اتحادها التعاوني، وهي علامة إيجابية لعمل عربي مشترك في صيغته الراهنة. ولم لا تبقى وكل عناصر العمل بينهما متواجدة، فاللغة واللهجة والعادات والتقاليد وصيغة الحكم السياسي والدين والجغرافيا، هذه عوامل جميعها تمثل معطيات وحدة خليجية وليس فقط تعاون مشترك، وهي أفضل من نماذج سابقة فشلت كمجلس التعاون العربي الذي فشل في سنواته الأولى، وتعثر تجربة الاتحاد المغاربي، إذ استطاع مجلس التعاون الخليجي أن يبقي على الخيط الرفيع في التعاطي بالرغم من الاختلافات في وجهات النظر في بعض القضايا، وهذا التعاطي الموحد مع جميع الملفات يمثل ميزة عقلانية لقادة وزعماء أقطار المجلس.
كما إنه ليس من الإنصاف التقليل من أهمية ما حققه مجلس التعاون الخليجي من إنجازات منذ إنشائه وحتى الآن، ولو لم تكن هناك إنجازات لما استمرت هذه التجربة الخليجية العربية لحد الآن، واستمرار هذه التجربة في حد ذاته يعتبر أحد هذه الإنجازات وذلك انطلاقاً من رؤية وقناعة راسخة بأهمية وحتمية مجلس التعاون ودوره. وسبيل نجاح هذه التجربة هو الإرادة الصادقة والنية الخالصة لبلوغ هدف استمرار التعاون والتضامن بين أقطار المجلس بنحو ثابت للمدى الطويل وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية الخليجية الشاملة. وأفضل ما يتمناه كل مواطن عربي خليجي أن تعمل هذه المؤسسة التعاونية على تعميق المواطنة الخليجية بين أبنائها، حيث يتمتع المواطن العربي الخليجي بذات المعاملة الوطنية في أي قطر خليجي، وذلك لتجسيد الترابط الاجتماعي والاقتصادي الذي يجمع بين أبنائها. إضافة إلى تحقيق الأمن الجماعي لحماية استقرار وأمن أقطار المجلس. كما إنه يجب أن لا ننسى بأن أقطار مجلس التعاون مستهدفة من قبل قوى خارجية بعيدة عن حدودنا، ومن قوى داخلية في أقطارنا، ولعل نموذج العراق واليمن والتحرك الإيراني النووي والسياسي في الخليج العربي وما تمارسه إيران من حرب نفسية تشنها بين حين وآخر يجعل من قادة أقطار المجلس على يقظة دائمة من هذه الأحداث والتحركات التي تستوجب فرض سياسة أمنية ودفاعية واحدة وبقدرات ذاتية وطنية لا تعتمد على أساطيل وقواعد أجنبية.
ولا يغيب عن بالنا العمالة الوافدة التي زاد عدد أنفاسها عن أنفاس أقطار المجلس وبكثير، والتي تعرض الوضع الديمغرافي الخليجي إلى الخلل والخطر لصالح هذه العمالة التي أصبحت تتمتع بحقوق المواطنة في بعض الأقطار الخليجية