جاء الإسلام ليعلي مكانة المرأة، ويرفع من شأنها الذي كان وضيعًا ومبتذلاً قبله؛ فصانها من الابتذال وكرمها بكرامة الله للإنسان، ورفع عنها هوانًا كالاستعباد كان يلحقها وهي حرة.
تجلت صور تكريم الإسلام للمرأة في القرآن الكريم في إنزال سورٍ وآيات كثيرات تعنى بشأن المرأة خاصة، وكأنه من كبار شئون المجتمع والعالم، حتى أعطى لها حقًّا لا تزال تحرمه إلى اليوم في أديانٍ وحضارات.. ذلك هو حقها في الطلاق وما يتعلق به من حمل ورضاع وعدة وحضانة ونفقة.. وأبواب كثيرة.
إن واحدةً من طوال سور القرآن ومن المئين سميت بسورة "النساء"، ولم توجد سورة اسمها "الرجال"، ومما يسترعي النظر أن سورة النساء بخاصة اشتملت على تفاصيل المواريث والفرائض، وكأنه إلماحٌ بعدم عضلهن في مواريثهن كما يفعل الجهال إلى اليوم!
ولقد تخللت -بالمثل- سورةٌ طويلة في وسط المفصل باسم "سورة الأحزاب" اعتنت بأمورٍ كمكانة وطهارة آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم- والجهاد في سبيل الله؛ عنيت أيضًا بجانب هذه الأمور الجليلة في الدين والحياة بحجاب النساء.. يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الأحزاب/ 59]، وأخرى باسم من أسماء الله تعالى هي "سورة النور" يقول تعالى فيها: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور/ 31].
وهكذا تبرز قضية حجاب المرأة وسط كبريات القضايا؛ من توحيد الله تعالى، إلى الجهاد في سبيله، وبالالتصاق بتطهير آل بيت النبي ومسائل المواريث والوضوء والاغتسال؛ فكيف يفرق اليوم بين الحجاب كحمٍ شرعي وبين الصلاة والزكاة والصوم؟!
إنَّ الأمية لتحيط بالمسألة؛ كمثل تصور أنَّ الحجاب أدنى درجةً من النقاب، والصحيح أن الحجاب أعم وأشمل؛ فالنقاب صورةٌ من صوره.
الحجاب -في لغة العرب-: المنع والستر، وقد وردت الكلمة في القرآن في ثمانية مواضع تدل لهذا، وسُمي بهذا لأنه يستر المرأة ويعفها عن النظر المحرم.
لقد اتّفق الفقهاء على أنَّ الحجاب فرضٌ على كلِّ مسلمةٍ بالغةٍ؛ أي بلغت سِنَّ التّكليف، وباتت مُخاطَبة بالأحكام الشرعيّة؛ فإن من بين هذه الأحكام الحجاب، ودليل وُجوبه قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾؛ فالآية الكريمة وغيرها من نصوص في الوحي كثيرة تأمر المؤمنات بالتزام الحجاب، وستر أجسادهنّ عن الرجال من غير محارمهنَّ؛ فلا يحلُّ لها نزع حجابها وكشف عورتها على غيرهم، إلّا لضرورةٍ ملحة؛ كالتّداوي، أو الشَّهادة.
ولا يحل للمرأة أن تخلع حجابها إلا إذا كانت من القواعد، ولسن اللاتي انقطع عنهن الحيض كما يزعم بعضهم أو يهِم؛ لأنَّها جمع قاعد، وهي المرأة التي بلغت من السن مبلغًا يجعلها لا تَشتهي، ولا تُشتهى وقال أبو عبيدة: "اللاتي قعدن عن الولد"، وليس ذلك بمستقيم لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مُستمتع.
بات الحجاب قضية في الغرب؛ حيث مُنعت المحجبات من دخول الجامعات والمرافق العامة، وكل حصيف وأبله يعرف أن هذا حرب للإسلام وعليه؛ فكيف يغض الطرف إن حدث هذا في بلاد المسلمين؟! أيعقل أن يحارب الإسلام ويستفز المسلمون فيه ، وينال من نسائهم بدعواتٍ تحارب الحجاب، وإعلام يهلل للأمر؟!
إن شخصيات نسائية مشهورة يخلعن حجابهن مفتخرات بفعلهن، ويحسبن أنهن حققن نصرًا مجيدًا، يصفق لهن بحرارة ، ولكن علِم المسلم أن صنائع الأعداء فقط من يفعلون ذلك.. نازعات الحجاب ومن يصفقون لهن.
--
.........................
عبدالله بن معيوف الجعيد