خرافات المستقلين
أجمعت الكتل النيابية الثلاث القديمة («الوفاق» و»الأصالة» و»المنبر الاسلامي») على رفض قرار وقف الدعم عن المحروقات، بوضوحٍ ودون التباس، إلا المستقلين الذين هم في تردّدهم يتخبطون.
«الأصالة» قالت إنه قد جاء دور النواب الحقيقي ليثبتوا صدقهم فيما رفعوا من شعارات انتخابية، في مقدمتها تحسين الوضع المعيشي للمواطن، وأبدت تخوفها من محاولات إشغال النواب والناس والصحافة عن الإخفاقات في ملف الإسكان والتعليم والصحة وسوق العمل. والأهم أن وقف الدعم سيطال ضرره جميع الفئات، وينسف كل جهود الدولة السابقة للمحافظة على نسبة التضخم.
«الوفاق» أشارت إلى التناقض في موقف الحكومة، فبدلاً من الأخذ بمقترحات سابقة لتحسين الوضع المعيشي للمواطن، فإنها تسرع لتمرير مثل هذه القوانين المحبِطة، بعيداً عن مناقشة الموضوع الأكثر أهميةً، وهو التوزيع العادل للثروة، وما يرتبط به من أراضٍ وأملاكٍ عامة.
أما «المنبر» فأعلن رفضه للقرار، واستعداده للتصدّي له في البرلمان «لأنه يمسّ جميع المواطنين، فلا يعقل اتخاذ مثل هذا القرار بعيداً عن مجلس النواب، وفي مخالفةٍ صريحةٍ للدستور... وبالتالي من المستحيل أن نوافق بالعمياني»!
المواقف الثلاثة واضحة، إلا «المستقلين»، التي وصفتُها قبل تشكّلها رسمياً بالكتلة الزئبقية الرجراجة. ومن سوء حظ هؤلاء أنهم يواجهون امتحاناً عسيراً حتى قبل انعقاد البرلمان الجديد، فإمّا أن يقفوا مع الشعب وإما أن ينحازوا إلى الحكومة ويبصموا لها على ما تريد.
المستقلون ليسوا كتلةً واقعاً، بل هي آراءٌ وأهواءٌ شتى، وعليهم أن يثبِتوا العكس. ومواقفهم المتذبذبة المضطربة حيال وقف الدعم الحكومي للسلع والمحروقات يثبت ذلك. بل إن بعضهم حاول وفشل بامتيازٍ في لعب دور المحامي الأول عن هذه السياسة المالتوسية المدمّرة لحياة السواد الأعظم من الشعب.
الكتل الثلاث أعلنت على الأقل موقفها إبراءً للذمة فيما لو حاولت الحكومة تمرير القرار دون الرجوع للنواب المنتخبين، أما المستقلون فمازالوا يلفون حول الساقية ويلتمسون للحكومة المعاذير الواهية. فهل هناك نوابٌ في الدنيا يعطون الحكومة رقابهم بالقول: «رفع الدعم في حال طبّق فإنه لن يمس ذوي الدخول المحدودة والمتوسطة»؟ وهل ستجد الحكومة سجادةً أكثر نعومةً من هذه الكتلة؟ وماذا تعني كلمة «المستقلين» حينئذٍ؟ وهل هم صادقون مع أنفسهم حين يدّعون أن وقف الدعم لن يؤثر على الطبقات الفقيرة والمتوسطة؟ فمن أقنعهم بهذه الخرافة؟ ومن يضمن لهم ذلك؟ ولماذا «يزعلون» ويتهموننا في الصحافة بالتآمر عليهم حين ننتقد مواقفهم المسيئة للأكثرية الساحقة من الشعب؟
لنكن واضحين... إنه لا أحد يضمن عدم تأثير قرار وقف الدعم على الطبقات الوسطى والفقيرة، حتى الحكومة لا تضمن ذلك، وكل ما يُقال فقاعاتٌ من الزَبَد! كما انه لا ضمان إطلاقاً على عدم تأثّر أسعار بقية السلع فيما لو رفعت الدعم عن المحروقات، حتى وزارة التجارة. فغول التضخم ينتظرنا على الأبواب، بشهادة غرفة التجارة التي أكّدت أن الدعم كان سبباً رئيسياً في ثبات الأسعار. والمؤكد أن الأسعار سترتفع مرةً أخرى خلال أربع وعشرين ساعة من إعلان رفع الدعم.
لقد فشلت كل محاولات الحكوميين والليبراليين في إقناع مواطنٍ واحدٍ بأن وقف الدعم سيصب في مصلحته، أما «كتلة المستقلين الواثقة من أن رفع الدعم لن يمس ذوي الدخل المحدود»، فتلك خرافةٌ من أيام مالتوس اللئيم
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3019 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ