الإيدز من الزاوية الاجتماعية
بين متابعة نتائج التصويت على العاصمة التي ستستضيف مونديال 2022، وفي زحمة التسابق على حجز بطاقات السفر لقضاء العطلة الطويلة نسبياً هذا العام، ووسط الحديث عن اليوم العالمي للمعاقين، غاب عن الجميع الالتفات نحو اليوم العالمي لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، الذي يعتبره الكثيرون، ومن بينهم الباحث الأردني حسين الخزاعي «مرضاً سلوكياً بالدرجة الأولى، ومن أكثر الالتهابات المنقولة جنسياً، وأخطرها على حياة الإنسان». ففي الأول من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام تنشط المنظمات ذات العلاقة بهذا المرض من أجل إلقاء الضوء على أسبابه، وأشكال علاجه، وسبل الوقاية من الإصابة به. وللعلم، تأتي الدول العربية في المرتبة الثانية، من حيث نسبة نمو في العالم بحالات الإصابة بفيروس «الإيدز». وقد استحدثت المجتمعات المتقدمة وسائل اجتماعية لمحاربة المرض، تستخدم سوية مع تلك المرتبطة بالحصانات الصحية والفيزيائية.
ولابد من تقدير حجم الأخطار التي يمثلها هذا المرض، قبل تناول أيٍّ من الجوانب السلبية الأخرى، ومن بينها الاجتماعية، التي تولدها الإصابة به. فوفقاً للإحصاءات التي يوردها الخزاعي «تجاوز عدد المصابين به (33) مليوناً، ويبلغ عدد الدول المصابة به (193)، وتسبب المرض في وفاة (25) مليوناً، ويصاب به يومياً (16000) حالة، وسنوياً (6) ملايين إصابة. أي يصاب بالعدوى كل دقيقة (11) شخصاً، منهم الرجال والنساء والأطفال، والتقديرات العلمية تؤكد أن من بين كل حالة مكتشفة توجد (10) حالات غير مكتشفة».
لكن، وبعيداً عن الجوانب الصحية والوقائية المرتبطة بالعديد من الأمراض، ومن بينها «الإيدز»، هناك بعد اجتماعي قوي يصر على حضوره، ويؤكد تأثيراته لدى المرضى المصابين بالإيدز. وقد أكدت ذلك دراسة أميركية أشارت بوضوح إلى هذا البعد الاجتماعي، بالحديث عن «الوصمة الاجتماعية (Social Stigma) التي يصم بها المجتمع مريض الإيدز، وانعكاسات الإصابة بالإيدز على النسق العائلي».
هذا البعد الاجتماعي لا ينفي الجوانب الخطيرة الأخرى التي يحملها مرض الإيدز معه، ومن أهمها سلبياته المباشرة على الاقتصاد الوطني. وتثير هذه القضية اليوم جدلاً ساخناً، ينقله موقع (إسلام أون لاين). فبينما يرى بعض المحللين، «أن مرض الإيدز ليس له تأثير سلبي كبير على الاقتصاد المحلي بحجة أن انخفاض معدل النمو السكاني الذي تسببه حالات الوفاة الناجمة عن المرض، يتم تعويضه من فائض العَرْض في عنصر العمل الذي تتمتع به الكثير من الدول، وعليه فإن الناتج المحلي الإجمالي لن يتأثر»، تذهب مدارس اقتصادية، ومنظمات صحية، أخرى، التي تخالف تلك النظرة، والتي ترى في الإنسان ذاته، هدفاً من أهداف النمو الاقتصادي، إلى القول، بأن «الشلل الاجتماعي الذي يخلقه المرض في صفوف ضحاياه، يفقد المجتمع نسبة عالية من قدراته الإنتاجية التنموية الأمر الذي يترك بصماته السلبية على الاقتصاد الوطني». وتمضي تلك المنظمات في الربط بين البعدين الصحي والاقتصادي، فتقدر منظمة الصحة العالمية «عدد سنوات العافية التي يفقدها مرضى الإيدز في جميع الأعمار على مستوى العالم بنحو (71) مليون سنة للعام 1998 فقط». ولكي نحصل على الرقم الصحيح النهائي، وفقاً لمعادلات منظمة الصحة العالمية علينا أن «نجمع كلفة الإنتاج والخدمات المفقودة بسبب المرض مع كلفة العناية الطبية المنفقة على المريض خلال السنوات المراد حساب خسائرها».
إذاً، بعيداً عن الاقتصاد، والإحصاءات، لابد من الالتفات إلى البعد الاجتماعي الذي يجلبه معه هذا المرض. فإلى جانب التفكك الأسري، والنظرة «الدونية» التي قد يتعرض لها مرضى «الإيدز»، هناك بالنسبة لنا، نحن في المجتمعات العربية - الإسلامية الجانب الأخلاقي المرتبط بالإصابة بهذا المرض، إذ غالباً ما يوضع من هم مصابون به في خانة الاتهام بممارسة سلوكيات غير سوية تقتضي «معاقبتهم اجتماعياً». مثل هذه النظرة، تغفل، أو تتناسى، بقصد أو بدون قصد، أن الإصابة بهذا المرض تأتي من العديد من القنوات، ليس الاتصال الجنسي سوى أحداها. وبالتالي فينبغي أن ننزع من أذهاننا ذلك الربط التلقائي بين المصاب والسلوك غير السوي الذي يقود بالضرورة ، وانسجاماً مع ذلك المنطق، إلى فرض سياج من العزلة حول المصاب، الذي ربما تلقّى الفيروس من مصدر طبي غير معقم.
هذا يوصلنا إلى المدخل الاجتماعي المرتبط بهذا المرض، فمن الضرورة بمكان هنا أن نقتنع تماماً، بأنه مهما كان مصدر الإصابة، فمن واجب المجتمع أن يساعد المريض على الشفاء، وأن يحافظ على حبل الود الاجتماعي ممدوداً بينه وبين فئات المجتمع الأخرى. إن حالاة الطرد الاجتماعي التي يمكن ممارستها ضد المصابين بهذا المرض، لا تفقد المجتمع نسبة، ربما لا يستهان بها من قوته العاملة، ويحدث بتراً اجتماعياً غير طبيعي في النسيج المجتمعي الطبيعي، فحسب، لكنها أيضاً تقف في وجه أية محاولات يمكن أن تقود إلى شفاء المريض، أو إنقاذه من الموت.
لذا، ومع أهمية الوقاية الصحية، والعلاجات الطبية، لكن لا ينبغي في حالة التعامل مع مرضى الإيدز إغفال البعد الاجتماعي، سواء في التوعية، أو في المراحل المختلفة من مراحل العلاج. فمرض من مستوى «الإيدز»، وما يحمله من أبعاد اجتماعية، يفقد العلاج الكثير من فاعليته، ما يتم التكامل بين المدخلين الطبي والاجتماعي.
عبيدلي العبيدلي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3020 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ