لحصار بديل للاحتلال
د. محمد السعيد إدريس
صحيفة الخليج الإماراتية 31/8/2006
جرب "الإسرائيليون" احتلال جنوب لبنان لتأمين الحدود الشمالية للكيان الصهيوني وفشلوا عندما وجدوا أن مخاطر الاحتلال تفوق مخاطر الانسحاب فانسحبوا وهم مضطرون إلى ذلك بدوافع أمنية بحتة، لكنهم فوجئوا أن حدود الكيان المفتوحة مع لبنان باتت مصدراً للخطر، وأن الكيان معرض لتهديد حقيقي في ظل ترسانته المتقدمة من كافة أنواع الأسلحة، وجاء درس حرب الأيام الثلاثة والثلاثين مع "حزب الله" ليؤكد حاجة هذا الكيان إلى سياسات أمنية جديدة.
لقد نجح الأمريكيون و"الإسرائيليون" في فرض القرار 1701 الذي أقر بنشر قوات دولية على طول الحدود اللبنانية "الإسرائيلية"، وإذا كانوا قد فشلوا في ربط هذا القرار بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإعطاء هذه القوات اختصاصات قتالية فإنهم يحاولون الآن استخدام حصارهم المفروض على لبنان جواً وبحراً لفرض شروط جديدة علّها تكفي لحماية أمن الكيان.
إنهم يريدون أن يمتد انتشار القوات الدولية ليس فقط على طول خط الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني بل ليشمل كل الحدود اللبنانية - السورية ضمن مطالب أخرى بفرض إجراءات جدية لتوفير الأمن وبالذات للحيلولة دون دخول أسلحة أو أي وسيلة دعم أخرى إلى حزب الله.
وهم يريدون منع أي دولة ليست لها علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" أو كان لها موقف نقدي من الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان من المشاركة في القوة الدولية، رغم أن هذه القوة سوف تتواجد بكاملها على الأراضي اللبنانية فقط، وأن وظيفتها الحقيقية هي حماية "إسرائيل" وليس حماية لبنان.
والأهم من هذا كله أنهم يريدون فرض حصار طويل المدى على لبنان من خلال وضع شروط تبدو مستحيلة لفك هذا الحصار، فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية "الإسرائيلية" مارك ريجيف أن "إسرائيل" لن ترفع حصارها إلا عند تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، موضحاً أن هذا القرار ينص على فرض حظر كامل على تسليم أسلحة مهربة إلى حزب الله، وهذا يعني أن الحصار سوف يبقى لأجل غير منظور، وبالذات الحصار البحري، بما يعني انتهاك السيادة الوطنية للبنان، لكن هذا كله لا يهم "الإسرائيليين" أو الأمريكيين طالما أن أمن "إسرائيل" هو الهدف. وعندما ترفض سوريا مطلب انتشار القوات الدولية على حدودها مع لبنان من منطلق أن نشر هذه القوات يكون على حدود الدول التي بينها حالة حرب وعدوان، وعندما تلوح سوريا بأنها قد تضطر في حال نشر القوات الدولية على حدودها مع لبنان إلى إغلاق هذه الحدود، فإنها تتهم هي وإيران بأنهما مسؤولتان عن استمرار فرض الحصار على لبنان لأنهما لم تبديا استعداداً للالتزام بمنع تسليم السلاح لحزب الله وميليشيات أخرى في لبنان، وأن رفضاً كهذا يعطل تطبيق القرار 1701 برمته، وكذلك الجهود الدبلوماسية لمساعدة الشعب اللبناني، حسب قول مسؤول أمريكي رفيع في البيت الأبيض.
مجمل هذه المواقف يدل على حقيقة مهمة وهي أن الكيان الصهيوني لم يعد يشعر بالأمن وأن نظرية الأمن الاستراتيجي "الإسرائيلي" باتت مخترقة، وأنهم حريصون على نموذج "الجيتو" سواء فرض عليهم من الغير أم فرضوه هم على أنفسهم، فلا حياة لهم خارج هذا "الجيتو" بما يتعارض كلية مع كل مزاعم "إسرائيل" الكبرى التي كانوا يروجون لها، فهذا الكيان بحكم تكوينه ضعيف ومهزوز ومغلق على ذاته وحياته مفعمة ب"التهديد". المهم أن نعي نحن العرب هذه الحقيقة.