سبل محاربة طاعون الأمية في العالم العربي (2 - 2)
عبيدلي العبيدلي - كاتب بحريني (سياسي)
«11-يناير-2011»
كثيرة هي الأسباب التي تقف وراء تفشي الأمية، أو عدم تراجع معدلاتها في المنطقة العربية، رغم كل الإعلانات الرسمية العربية التي تدعي أنها تعمل وبجد من أجل القضاء على هذا الوباء الذي لايزال مستفحلاً في صفوف سكان هذه المنطقة. يكفي أن نستشهد بتعهد «الحكومات العربية، وكل عشر سنوات، ومنذ العام 1960، بالقضاء على الأمية خلال عشر سنوات»، دون ان يتحقق ذلك، وكذلك إنشاء الشبكة العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار في العام 1999 بدعوة «من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليكسو)، دون أن يتغير من الأمر ما يستحق الذكر».
حتى الادعاءات العربية في زيادة مخصصات برامج التعليم، بما فيها برامج محو الأمية، فيها شيء من «المبالغة الإعلامية»، كما تكشف عن ذلك إحدى الأوراق التي جمعها الباحث التربوي عبد العزيز بن عبد الله بن سعد السنبل، والتي أوضحت بأنه على «الرغم من تزايد الإنفاق العام على التعليم بشكل مطلق، وكنسبة من الناتج القومي الإجمالي في عقد التسعينيات، إلا أن الإنفاق معبّراً عنه بمتوسط الإنفاق للفرد من السكان قد تراجع. ويرتفع نصيب المرتّبات في الإنفاق الجاري ليصل إلى نحو 94 في المئة. وهذه الوضعية لها انعكاسات غالبة على قضايا التطوير والبحث، وتبنّي التجارب الريادية، وتوفير التجهيزات، وتدريب المعلمين، وقس على ذلك». بل تعتبر الورقة «أن المخصصات المالية المرصودة لمواجهة إشكالية الأمية، لم تكن عبر القرون بالقدر الكافي الذي يتناسب مع حجم الإشكالية وخطورتها».
ويستعين منسق برامج محو الأمية وتعليم الكبار في «الالكسو» يحيى عبد الوهاب الصايدي، الأسباب التي تقف وراء فشل البلاد العربية في الحد من تفشي الأمية بتلخيص بيان صادر عن الألكسو ذاتها في العام 2007، قائلاً: «أولا أن جهود مجال أو جهود الأمية في المنطقة العربية كلها صبت على اتجاه واحد لها القراءة والكتابة دون اهتمام لباقي مجالات تعليم الكبار، القضية الأخرى أن في المنطقة العربية هناك تباين تماما في هيكليات الإدارات أو الأجهزة المسئولة عن محو الأمية في المنطقة العربية، فنجدها في بعض البلدان عبارة عن قسم ملحق في إحدى الوزارات وبعض البلدان وصلت إلى مستوى الوزارة وهذه هي الفجوة تشكل بالنسبة للمنظمة معضلة في طريقة التعامل واتخاذ القرارات».
وترجع بعض الدراسات إلى أن أحد أسباب فشل برامج محو الأمية العربية يعود إلى ان نسبة عالية من موازنات تلك البرنامج تنفق على المدرسين والخبراء، ولاتنال المواد والطلبة إلا النزر اليسير منها. وهناك من يرجع السبب الرئيس وراء ذلك الفشل إلى الفساد الإداري والمالي الذي يستحوذ على نسبة عالية، وبطرق ملتوية غير شرعية، من موازنات البرامج العربية لمحو الأمية.
هناك بالطبع قائمة أخرى من الأسباب، بعضها سياسي، والآخر اقتصادي، دون أن نستثني من ذلك التربوي والاجتماعي. لكن، وعوضا عن الاستطراد كثيرا في الأسباب، نرى من الأفضل التركيز على سبل المعالجة، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت في نسب محو الأمية، والأسباب الكامنة وراءها، من بلد عربي إلى آخر، جراء التباينات في التطورات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدان العربية، بما فيها تلك القريبة من بعضها البعض مثل دول مجلس التعاون الخليجي.
أول تلك الخطوات ذات خلفية مهنية تنطلق من ضرورة تحديد أية فئة من فئات محو الأمية نحن بصدد محاربته والتخلص منه، هل هي محو الأمية الأبجدية، أم الحضارية، وربما كلتاهما في آن واحد، إذ إن لكل فئة منهما مداخله المختلفة، ومنتسبيه المحددين، وبرامجه التي تلائمه.
إن أخطر ما يمكن أن يشوه أو يحرف مسار برامج محو الأمية هو فشلها في تحديد الفئة التي تخاطبها، ومن ثم المواد التي تختارها، وطرائق التدريس التي تأخذ بها.
أما ثاني تلك الحلول فخلفيته اقتصادية/تنموية، ويقتضي تحديد العلاقة بين احتياجات السوق المحلية وخطط تنميتها، ومخرجات برامج الأمية ومهارات المتخرجين من فصولها. والعلاقة بين تلك الاحتياجات والمخرجات ليست طريقاً ذات اتجاه واحد فحسب، بقدر ما هي ذات اتجاهين، فبقدر ما تراعي برامج محو الأمية احتياجات السوق، بقدر ما تنجح السوق في المساهمة في توسيع نطاق انتشار تلك البرامج والاتقاء بأدائها، وكفاءات منفذيها، الأمر الذي من شأنه خلق علاقات تأثير إيجابي متبادلة بين الجهتين.
وينطلق ثالث الحلول من أساسيات مهنية، تتناول مواد برامج محو الأمية والقوى البشرية التي تقوم على مراقبتها وتنفيذها. فما هو معروف اليوم، ان معظم برامج محو الأمية المطبقة في البلاد العربية هي قديمة في الجوهر، كما يشكو من يقومون على تنفيذها من تخلف معرفي مصدره خلفياتهم العلمية. واليوم، وفي ظل قوانين العولمة، لم يعد في وسع بلد ما التقوقع داخل برامجه، دون أن يأبه للتأثيرات الخارجية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمحو امية الأجيال الشابة.
أما رابع تلك الحلول فمنطلقاته أخلاقية، بمعنى، ضرورة حماية برامج محو الأمية، ومن يقوم على مراقبتها أو تنفيذها من أمراض الفساد المالي او الإداري، التي غالبا ما تكون السبب الأساس في إفشال برامج محو الأمية في المنطقة العربية. وينقسم الفساد هنا إلى فئتين، الأولى مالية، حيث تذهب نسبة عالية من مخصصات تلك البرامج إلى جيوب المشرفين عليها بدلا من إنفاقها على البرامج ذاتها، وإداري، حيث تتدخل سلوكيات المحسوبية في اختيار من يتولى تنفيذ تلك البرامج، مؤسسات كانت تلك الجهات ام أفرادا.
الأمية في جوهرها وتأثيراتها السلبية قريبة إلى حد بعيد من مرض الطاعون، السريع في انتشاره، والقاتل في نهاياته، ومالم تستأصل البلاد العربية الأمية من بين صفوف أبنائها، فمصيرها المعاناة من اتساع نطاقها، أبجدية كانت تلك الأمية أم حضارية، ومآلها إلى الموت كأمة، إذ لم تعد الأوضاع العالمية تسمح لأمة مصابة بالطاعون أن تعيش على سطح هذا الكون.
الوسط - 11 يناير 2011
قائمة التصنيفات
--------------------------------------------------------------------------------
عام (1720)
سياسي (1369)
اقتصادي (96)
حقوق انسان (44)
شؤون عمال (32)
قضايا المرأة (65)
شباب و طلبة (
شؤون قانونية و برلمانية (
ثقافة و أدب (18)
شؤون عربية (268)