الظلم الاجتماعي والفساد يفسران أحداث تونس
فاجأت الأحداث الدموية التي اجتاحت تونس منذ ما يزيد على أسبوع الكثير من الهيئات والجماعات التي كانت تراقب الأوضاع هناك عن قرب، وخاصة تلك التي تعنى بالشئون الاقتصادية، ومعدلات التنمية. فقبل عام، اعتبرت دراسة مقدمة للدورة السابعة من «التسهيلات الأورومتوسطية من أجل الاستثمار والشراكة» المعروفة باسم «فيميب»، «أربعة بلدان عربية فقط تُحقق تقدماً في القطاع السياحي، الذي يشكل أحد محركات الاقتصاد المحلي، هي مصر والمغرب وسورية وتونس».
وفي منتصف العام 2010، أشاد صندوق النقد الدولي بقدرة تونس على «تجاوز تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية بنجاح، (معتبراً) أن الآفاق المستقبلية للاقتصاد التونسي تبعث على التفاؤل». وأشار المسئول بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي جويل توجاس برناتي، الذي ترأس وفد صندوق النقد الدولي إلى تونس في إطار المهمة السنوية لهذه المؤسسة الدولية إلى «أن تونس قادرة على تسجيل قفزة جديدة خلال السنوات القادمة على ضوء الأهداف الطموحة التي تضمنها البرنامج الرئاسي للفترة 2009-2014».
وينقل موقع «محيط» ثقة وكالة التصنيف «فيتش»، في أواخر العام 2009، في «قدرة الاقتصاد التونسي على مواجهة الأزمة المالية العالمية الأخيرة. وينقل الموقع أيضاً عن صحيفة «أخبار تونس» تفاؤلها المفرط في تميز «البرنامج الرئاسي الجديد في مختلف جوانبه ولاسيما النقطتين 12 و13 المتعلقتين بالقطاعين البنكي والمالي واللتين تتميزان بالواقعية والاستشراف والشمولية، بما من شأنه أن يعدّ تونس للارتقاء إلى مصاف الدول المتقدمة في أفق 2014».
ورأى بعض المتابعين، في سياسة الانفتاح الاقتصادي التونسي «المعتمدة على تحسين الإنتاجية وتدعيم القدرة التنافسية ومساعدة المؤسسات التونسية على اكتساب أسس صلبة لمواجهة تبعات الظرف العالمي والتقليص بصفة ملموسة من تداعياتها مع المحافظة على حركيّة التنمية في إطار توازنات مالية واجتماعية مقبولة، بالإضافة إلى دعمها لترتيبها لدى العديد من المؤسسات الدولية الأخرى كمنتدى دافوس الاقتصادي ودوينغ بيزنيس وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومؤسسات التصنيف الأخرى» ، مؤشرات قوية على تعافي الأوضاع الاقتصادية، ومن ثم الاجتماعية في تونس.
وأبعد من كل ذلك كان إشادة «المنتدى الاقتصادي العالمي حول إفريقيا»، والذي انعقد من 13 إلى 15 يونيو/ حزيران 2007 بالاقتصاد التونسي «على تمتعه بأعلى قدرة تنافسية في القارة متقدماً بذلك على جنوب إفريقيا واحتلاله المركز 29 بين اقتصاديات العالم».
أمام هذه الصورة الوردية الزاهية التي نجحت تونس في ترسيخها في أذهان الرأي العام العالمي، وعلى وجه الخصوص الأوروبي منه، فاجأت حادثة محاولة انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه الجميع، وأرغمتهم على إعادة رسم صورة تونس القائمة في أذهانهم، خاصة بعد ذلك البيان الرسمي الذي حاول بتر الحادثة من سياقها الاجتماعي، موجهاً النقد لها بوصفها «محاولات بعض الأطراف الانحراف بهذه الحادثة الشخصية المعزولة عن سياقها الحقيقي واستغلالها لأغراض سياسية غير شريفة وربطها بغرض التضليل والإثارة بحقوق الإنسان والحريات والتشكيك في مقومات التنمية بالجهة».
الباحث التونسي خالد شوكات، بعد أن يعترف بتفاجئه بما شهدته البلاد، يعود ليؤكد على أن اندلاع الأحداث الدامية يعود إلى «إرتفاع نسبة البطالة ووجود حالات احتقان اجتماعي يمكن أن تفسر إلى حد ما حركة الاحتجاجات والاضطرابات المحدودة التي وقعت في ولاية سيدي بوزيد، (مؤكداً على) الطابع الاجتماعي الصرف لهذه الاحتجاجات، فهي (كما يراها) حركة مطلبية شعبية اجتماعية تتعلق أساساً بمطالب تنموية وشكاوى من تفاقم البطالة وانعدام فرص العمل، وأي محاولة لإضفاء طابع سياسي على ما حدث هي محاولة للتوظيف أو الاستغلال السياسي لحركة اجتماعية عفوية، (مصرّاً على ) أن الخيط الرابط بين كل هذه الأحداث المتعاقبة، هو كونها حركات احتجاجية اجتماعية تتصدرها مطالب توفير فرص العمل، ولا يرى أي خلفية سياسية وراءها أو جهات سياسية تحركها». وهذا هو رأي الكاتب التونسي، رئيس تحرير صحيفة «الموقف» حيث يقول، «لا أحد، بما في ذلك الحكومة، يعرف إلى أين ستتطور الأمور، لأن ملف البطالة يشمل العديد من محافظات التونسية، وأصبح معضلة وطنية لا يسهل السيطرة عليها، ولأن أيضاً هذه الحركات الاحتجاجية عفوية غير مرتبطة بأجهزة سياسية أو نقابية ولا يستطع أحد السيطرة عليها أو توجيهها».
يوافق على ذلك باحث اجتماعي تونسي آخر هو عمر زعفوري، الذي ينفي في حوار له مع محطة «دويتشه فيله»، وجود «أغراض سياسية مبيتة وراء تحركنا الاجتماعي». لكنه يضيف إلى الأسباب الاجتماعية الكامنة وراء اندلاع الأحداث بعداً آخر هو الفساد، حيث نجده يقول، «لقد جاءت هذه الاحتجاجات عفوية وهي نتيجة لما تعاني منه منطقتنا الريفية من غياب للعدالة في توزيع الثروات. مطالبنا في التنمية وشكاوانا من الرشوة و المحسوبية عند السلطات المحلية في سيدي بوزيد وصلت إلى أعلى مستويات السلطة ولكن ما من مجيب...».
العنصر الآخر الذي يصب الزيت على نار الانتفاضة التونسية هو الفساد، الذي تعتبره المعارضة التونسية، ويشاركها هذا الرأي بعض الناشطين السياسيين،. فأول ما حذر منه الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يعتبر أبرز حزب سياسي معارض في البلاد، في رده على الإجراءات التي أقرها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي كان «إن هذه الخطوة وإن مثلت إقراراً بأن طريق القمع مسدود ووضعت الإصبع على موطن الداء المتمثل في استشراء الفساد فإنها تبقى دون الاستجابة للمطالب التي رفعها الشعب التونسي في انتفاضته».
وكان ذلك هو أيضاً رأي المحلل والناشط السياسي التونسي سليم بوخضير، الذي وجد في «إقالة وزير الداخلية وفتح تحقيق في الفساد مجرد امتصاص حالة سوء الثقة القائمة في الوقت الحالي بين النظام والمجتمع».
ربما تكون هناك عناصر تونسية أخرى، إلى جانب الظلم الاجتماعي والفساد أدت إلى اندلاع إحداثها، لكن من يتابع تغطيات الإعلام لها، يجد إسهامات هذين العاملين بدرجة كبيرة في إطلاق شراراتها. تبقى مسألة في غاية الأهمية، وهي أن تونس ليست الدولة العربية الوحيدة المستشري فيها هذين الداءين، والشاطر من يتعظ من أخطاء الآخرين.
عبيدلي العبيدلي
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3053 - السبت 15 يناير 2011م الموافق 10 صفر 1432هـ