«ما بعد الربيع العربي» يشبه «ما بعد أحداث 11 سبتمبر»
نكمل اليوم العام 2011، وهو العام الذي أطلق عليه المحللون السياسيون مسمى «الربيع العربي» لتعريف موجة الثورات والاحتجاجات التي حدثت في العالم العربي، والتي بدأت في تونس وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية، كما شملت أحداثاً في الجزائر، العراق، الأردن، الكويت، المغرب وعُمان. وتميزت هذه الموجة - بصورة عامة - بأساليب سلمية واستخدام مكثف لشبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، وردد المحتجون شعارات متشابهة، تطالب بديمقراطية وحكومات مدنية واحترام للتعددية وحقوق الإنسان، ودخل الإسلاميون في هذه الساحة الفكرية واندمجوا في مضامينها القيمية، كما دخلوا الميادين مع جيل من الشباب الصاعد الذي استلهم بشكل غير مسبوق ما يجري في زمانه وقرر أن يلعب دوراً إيجابياً يشهد له العالم بالريادية في الفكر والسياسة والممارسة المباشرة.
نكمل عام الربيع العربي مع تساؤلات عمّا إذا مازلنا نعيش هذا الربيع، وإذا ما كنا قد استفدنا كشعوب وحكومات من هذه الموجة التي لم تشهدها منطقتنا منذ نحو مئة عام... وأعتقد أننا ننتقل حالياً إلى مرحلة «ما بعد الربيع العربي»، وتماماً كما مر العالم بمرحلة «أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001»، فإنه انتقل بسرعة إلى «ما بعد أحداث 11 سبتمبر».
أحداث الحادي عشر من سبتمبر غيّرت وجه السياسة في العالم، ولكن كانت هناك مجموعات لها أجندات خاصة، من بينها «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة الأميركية، وهؤلاء وجدوا في أحداث 11 سبتمبر فرصة سانحة لتنفيذ أجندتهم الخاصة بهم (والتي كانت جاهزة قبل احداث 11 سبتمبر)، واستفادوا من الزخم والغطاء الذي وفرته تلك الأحداث لتمرير ما أرادوا تمريره. لكنهم سرعان ما فقدوا المبررات بعد فترة، وكبدت أجندتهم أميركا والعالم الكثير من الخسائر، وأضاعت الجهود في تشعبات تمصلحوا منها مؤقتاً، لكن سرعان ما وجدت أميركا أن عليها إصلاح الضرر الذي لحق بها بسبب سياسات المحافظين الجدد التي أنتجت سمعة سيئة على المستوى الحقوقي مثل سجن غوانتنامو وسجن أبو غريب والسجون الطائرة، وسمعة غير حسنة على المستوى السياسي فيما يتعلق بالحروب الكبيرة والصغيرة. لكن بعد كل الذي حدث، فإن تلك الأجندات لم تفلح في تجيير الأحداث الإرهابية في نهاية الأمر بالشكل الذي أرادت تلك المجموعات، وتحركت الأمور إلى ما شهدناه في الفترة الأخيرة.
«الربيع العربي» أيضاً وفّر فرصة لأصحاب بعض الأجندات الخاصة والمنطلقة على أساس الكراهية أو الاستبداد، أو عدم الاعتراف بمنطق الحقوق الإنسانية والديمقراطية، لتنفيذ جانب مما كانوا يفكرون فيه منذ فترة غير قصيرة، ورأينا كيف تم استغلال موجة الربيع العربي بشكل متناقض من أجل ذلك.
لكننا حالياً في طور الانتقال إلى «ما بعد الربيع العربي»، والتشابه مع «ما بعد 11 سبتمبر» ربما لا يكون بعيداً، فالشباب العربي قدّم نماذج منيرة لانتفاضات ديمقراطية على الجانب الصحيح من التاريخ، وهذا الشباب - في كل أنحاء بلداننا العربية - لم ينطلق على أساس العنف أو الكراهية والأحقاد، أو العمالة للأجنبي، وإنما انطلق على أساس الكرامة الإنسانية والتوق نحو الانعتاق من الاستبداد، وهذه هي القيم الأسمى التي ستقف حجر عثرة أمام من يحاول اختطاف الربيع العربي، أو يقف ضده
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3402 - السبت 31 ديسمبر 2011م الموافق 06 صفر 1433هـ