مكان
قلوب أرجوانية.. عائدون من العراق
حسين المحروس
حسين المحروس
حضر العرب في فوتوكينا 2008 مرّة واحدة، ولكن في شكل كارثة.. أعني العراق.
استحضرت حينها الحضور المتميز للعراق في مجال التصوير الفوتوغرافي في الوطن العربي كلّه. كانت صور الناس (البورتريه) نادرة في البحرين، ولمن يرغب في تصوير نفسه خياران: الهند، أو العراق. الفوتوغرافي الراحل أحمد عبدالله الماضي (توفي 1976) تعلم التصوير في الهند، وأحضر أدواته منها، ومن العراق أيضاً. الأراشيف الفردية العراقية للصورة تؤكد ذلك. توقعاتي باستخدام فاتحة عمل الشيطان (لو)، وبسيرة التصوير في العراق تدعم: لو لم تتعرض العراق لكل هذه الكوارث لكانت وحدها الدولة العربية الحاضرة في فوتوكينا.
كانت تلك هلوساتي في قاعة رقم (1) من معرض فوتوكينا وأنا أقف مكتوف اليدين عند أكثر معارض الصور إيلاماً وإحباطاً: معرض ''قلوب أرجوانية.. عائدون من العراق'' للمصورة التوثيقية الأميركية ''ناينا بيرمان'' - ولدت في العام 1966- تعرض فيه بوضوح كم على الإنسان أن يدفع، ويخسر في الحرب، خصوصاً أولئك الذين يتعرضون لإصابات مباشرة فيها.. الجنود بامتياز.
صورها تتنقل حياة جنود تعرضوا لإصابات بالغة. كيف يعيشون الآن في بيوتهم، في المستشفيات، كيف تتمّ محاولات إعادة تأهيل بعضهم في الثكنات العسكرية. صورها المعبرة بقوة عن حقيقة الحروب، ترينا أيضاً كيف تتمّ عمليات تجاهل تقارير الحروب اليومية، وتجاهل بشاعتها في أقوال وتجارب المحاربين.
الجندي الأميركي ''سام روز'' (21 سنة) الذي فقد بصره وإحدى رجليه قال '' لا أملك أيّ اعتذار. الحرب كانت أعظم تجربة في حياتي''. لكن صور بيرمان الأكثر بشاعة صورها تحت عنوان ''زواج جندي من البحرية'' تغطي فيه فعاليات زواج العريف ''تاي زيجيل'' الذي أصيب بإصابات بالغة في انفجار قنبلة في العراق.
كان المعرض الوحيد الذي يدخله الناس بصمت، يشاهدون صوره بلوعة وأسىً، يغادرونه بوجوم تام. الصورة توقف حروباً. هذا مـؤكد ومفخرة لها.. لكنها غير قادرة على فعل ذلك قبل الحرب.. هي تأتي لاحقاً.
بهذا الشكل الكارثي حضرت صورة العرب في فوتوكينا 2008 في مدينة كولن بألمانيا. آمل لا يفهم من ذلك أن أدعو الدول العربية إلى المشاركة بالشكل التافه، المستعجل: لقد شاركنا! أعني أن تكون المشاركة نتيجة لفعل جاد ومستطيل في مجال الصورة يحتم المشاركة في معرض غير عادي كهذا. أن يكون لدينا شيء تراكم بذكاء فاستحق العرض. ما فعلته المصورة بيرمان لم يكن مستعجلاً. إنّما فكرة استوت على مهل وصبر نافذين، فنفذت أعمالها في قلوب الزوار، وحرضت ضد الحروب.