حكومة.. طرة لاند؟!بقلم: محمد هجرس
تاريخ النشر : 2011-04-21
حكومة.. طرة لاند؟!بقلم: محمد هجرس
كبر الخط صغر الخط
حكومة.. طرة لاند؟!
بقلم: محمد هجرس**
بانضمام الدكتور أحمد نظيف، أصبحت حكومة طرة لاند، أو كما يقولون بالانجليزي "تورا لاند" شبه مستكملة، ينقصها فقط انضمام الوزراء الهاربين، ليكتمل النصاب، ولو انضم إليهم الرئيس المخلوع، بعد قرار حبسه، فإننا سنكون أمام أول جمهورية في التاريخ، يمكن إعلانها برئيسها ورئيس حكومتها ووزرائها من داخل السجن الشهير.. في مزرعة طرة! ولم تقتصر على هؤلاء فقط، بل ضمّت أيضاً أول رئيس محتمل، كان يرتقب توريثه العرش، هو جمال مبارك، وأخيه أيضاً علاء مبارك!
لم أكن أتخيل، أنا يمكن أن نعيش، لنرى يوماً، رئيس جمهورية عربي، يصبح "الرئيس السابق"، ليس هذا فقط، بل يتم استجوابه، والحكم بسجنه، في سابقة هي الأولى بعد محاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عقب اعتقاله على يد قوات الاحتلال الأمريكي، وسجنه، ومن ثمَّ إعدامه.
ما يحدث في مصر، لا شكّ أنه درسٌ قاسٍ، ليس لمن سيرأس مصر لاحقاً، ولكن أصبح جرس الإنذار لكل الحكام العرب، خاصة في الجمهوريات الملكية، التي كتب عنها ذات يوم، أستاذنا الدكتور سعد الدين إبراهيم، ما عرّضه لمتاعب لا تنتهي، وإن كان في النهاية، أعلن قبوله ترشيح جمال مبارك لمقعد الرئاسة، وهو نفس الرأي الذي أعلنه كثيرٌ من المتحوّلين في الإعلام المصري، الذي الآن يركبون خيل البطولة في الثورة المصرية الحديثة.
وإذا كان الكلام عن احتمالات إيداع الرئيس السابق السجن، يبدو حتى الآن ممكناً، بغض النظر عن الدوافع الإنسانية التي يتحدث كثيرون عنها، بل إن ترجيحات السجن والمحاكمة، رغم أنها مطلب شعبي، لا تراجع عنه، حتى الآن على الأقل، تظل الأوفر حظاً، ومن ثمّ يصبح المشهد المقبل على الساحة المصرية، الأكثر صدمة لوعي النخب السياسية الحاكمة في عالمنا العربي، للمرة الثانية في أقل من خمس سنوات.
لم يكن احد في مصر كلها، ولا في عواصمنا العربية يتخيّل ما يجري، ورغم الأقاويل عن ضغوط عربية ما، لتجنب محاكمة الرئيس السابق، ورغم استدعاء الأحاديث الأبوية، واعتبارات السن، والمهانة، إلا أن المشهد المصري، وتفاصيله، تبدو المسيطرة والغالبة لسنوات مقبلة، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعها، أو حتى يتوقع هذا السقوط المذل لأركان دولة كانوا طيلة سنوات تجسيداً لنموذج الدولة الإلهية، بشخوصها وحوارييها، وشياطينها، وسحرتها وكهنتها، وشيوخ زارها وحلقات ذكرها وتمجيدها!
من "أطول رئيس وزراء في مصر" دخل القفص الحديدي، بعد أن دخل القفص الذهبي قبل أقل من عام، إلى بقية الشلة "المستنفعة" رئيس الوزراء الذي دخل الوزارة من باب تقنية المعلومات، خرج منها إلى باب زنزانة صغيرة في ليمان طرة، بعد أن سجّل نفسه كأول صاحب "قفصين" شهيرين، في التاريخ الوزاري المصري، الأول اشتراه بزواجه، وهذا لا علاقة لنا به، لكن المصيبة في الثاني، الذي أخاف أن يضحك عليه محترفو الخصخصة واللهف واللطش، ويقنعوه بأن يبيعه، كما باع كل شيء في البلد، خاصة وأن الزبون جاهز، وعلى بعد خطوات منه، ربما في زنزانة مواجهة أو مجاورة، ولن أفاجأ إذا علمت أن أحمد عز اشترى "حديد" أقفاص السجون، ليجعل منها مشروعه المقبل في السجن!
............
............
اللهم لا شماتة..
فقد انضم أيضاً لحكومة المعتقل، صاحب مقولة "إننا نعيش في أزهى عصور الحرية والديموقراطية" صفوت الشريف، مهندس النظام الأبشع في المرحلة السابقة، ولأن جمهورية المعتقل ستكون في أمسّ الحاجة لـ"ترزي" قوانين، ومجلس شعب من إياهم، فأصبح من الضروري جداً، وجود رجل بحجم الدكتور فتحي سرور،، لتكتمل الصورة تماماً.
الأول لم يصدق "أن شوية عيال عملوها" وزجوا به إلى السجن، فيما الثاني، لم يستطع منع دموعه، بعدما رأى "الكلابشات" تطوّق يديه، فانهار تماماً وسقط على الأرض، دون أن يصدق أن عربة الترحيلات، باتت في انتظاره، دونما حرس هذه المرة، دونما تشريفات، وعادت للوجود "مضبطة" من نوع آخر ليست مضبطة سيد قراره كما كان يفضّل ويفصّل.
بدل حكومة الظل، التي شكلت عقب الانتخابات الفضيحة السابقة، والتي أخرج فيها، بلطجية النظام ألسنتهم ومدوا أيديهم وأرجلهم وأصابعهم في عين الشعب، أصبحت لدينا حكومة كاملة العدد في السجن.. برئيسها، ورئيس وزرائها، وزرائها، ورئيسي مجلس شعبها وشوريها.
إنها حكومة جمهورية تورا لاند..
يا للتاريخ المرّ..
ما بين "تورا بورا" في أفغانستان و"تورا لاند" في مصر، خيط رفيع جداً من المأساة.
الأولى، كانت كهوفاً أعادتنا للعصر الحجري، احتوت الإرهاب كما خبّأته العمائم، بينما الثانية، باتت زنازين بلورت قمّة قلّة الذمة والضمير، فَحَوَتْ الفساد، كما تاجرت وفاجرت به البدل الشيك، والكرافاتات المزركشة، والأحذية المستوردة خصيصاً من الخارج!
.....
....
في زيارة عائلية، لبّيت فيها ولأول مرّة، دعوة أحد المعارف، من الذين فتح الله عليهم أوسع أبوابه، ذهبت بعد إلحاحٍ، إلى سان استيفانو بالإسكندرية، حيث كان يسكن في أحد أبراجه، بين المنظر الساحر للبحر، وبين الارتفاع الهائل، رأيت الناس من التراس الكبير، صغاراً للغاية، كانت السيارات في الليل، تتحرك كنقاط ضوء، سرعان ما تختفي، فهمت لماذا دائماً ما يضحك علينا حكامنا، ويسخرون منّا، بل ربما يعتبروننا مجرد أصفار تمشي على الأرض، حمدت الله، في سرّي، أنني أقطن بالدور الثاني.. ثم جلست أفكر قليلاً، وأسرح خاصة بعد أن اقترح عليّ أحد الجالسين، بأنه بإمكاني أخذ شقة في هذا البرج.. ثم مازحني :"يا راجل.. هو أنت اقل منها".
وكي لا أبدو "أقل منها" فعلاً فقد هززت رأسي متردّداً، أو متمنّعاً أو مترفّعاً، كي لا أجلب الازدراء، صاح أحدهم مرّة أخرى بتفاخر: "دا حتّى أحمد نظيف واخد في الدور الـ18".. لاحظوا قال أحمد نظيف، هكذا "حاف"، دون لقب دكتور، أو باشا أو بيه، أو حتى رئيس وزراء مصر، فأيقنت أن "زيتهم في دقيقهم" ولا كلفة بينهم، يعني زي ما بيقول اخوانا في الطبقات الراقية "سان فاسون"!
وكمن لدغه عقرب، قلت بتواضع: بحد.. دانا لي الشرف أن أكون جاراً لأحمد بيه، ثم أردفت نكتتي المعهودة :"ع الأقل، سأغسل أكثر بياضاً".. ثم استأذنت مقهوراً، بعد أن ألقيت نظرة على الكورنيش، أدرك أنها لن تتكرر مرة أخرى، ومن هذا المكان تحديداً، ومن الدور 23 أو 21 لا اذكر.
..............
..............
في خبرٍ عاجل، نشره (اليوم السابع) الثلاثاء 12 أبريل، قال الزميل محمد عبد الرؤوف: إنه في مايو المقبل، يمر 83 عاماً على إنشاء سجن مزرعة طره.. كتاب وسياسيون ورجال أعمال ووزراء وجواسيس قضوا لياليهم داخل زنازين السجن الذي أنشئ عام 1928 بقرار من مصطفى باشا النحاس" وأضاف "ليمان طره، يحتفل هذا العام في عيد ميلاده الثالث والثمانين، بنوعية جديدة من النزلاء، وإن لم تصدر ضدهم أحكام قضائية، فهم هناك قيد التحقيق فى تهم فساد ورشوة واستغلال نفوذ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام وقتل المتظاهرين سلمياً، إنهم رجال النظام السابق وأصحاب السلطة والحكم والمال والنفوذ عصفت بهم ثورة 25 يناير إلى الزنازين وسط حراسة مشددة".
وأكمل :"الصدفة كل الصدفة جمعت الاحتفال بمرور 83 عاماً على إنشاء سجن مزرعة طره، مع الاحتفال بعيد ميلاد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، الذي يحتفل هو الآخر في 4 مايو المقبل بعيد ميلاده الثالث والثمانين.. نزلاء سجن المزرعة الجدد، جعلوا منه أشهر سجون مصر على الإطلاق..".
يا الله..
إنها المفارقة التي لم يتوقعها أحد..
كأن التاريخ يفصح عن نفسه، ويعطينا الرسالة، التي يبدو أن أحداً لم يستعد لها، أو يستوعبها بعد؟!
حتى نحن الموقعون أعلاه أو أدناه!