فعالية يابانية: الموازنة بين التنمية الصناعية و البيئة
في الأسبوع الماضي، نظمت الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية وبالتعاون مع منظمة اليابان (Japan Foundation) والسفارة اليابانية ندوة مشوقة في فندق الموفينبيك وبالقرب من محمية عراد تحت عنوان «الموازنة بين التنمية الصناعية والبيئة: تحقيق الاستفادة القصوى من المعرفة المحلية وممارسات السكان الأصليين». حضر هذه الفعالية نسيج متعدد الأقطاب من المهتمين بهذه الأنشطة من برلمانيين، ولجنة الصداقة البحرينية - اليابانية، وهيئة البيئة، وجامعة البحرين والبولتيكنيك، ومعهد الدراسات والبحوث، ووزارة الخارجية، وهيئة الكهرباء والماء، وشركات من القطاع الخاص، وصحافيين.
من خلال خبرتي المتواضعة مع اليابانيين فقد حاولت جهدي أن أصل الى موقع الحدث مبكرا لمعرفتي بأنهم شعب عريق يعشق احترام قيمة الوقت وينتبه الى دقائق الأمور من الناحية التنظمية لأنها جزء لا يتجزأ من عادات متأصلة مكنته من أن يحتل المرتبة الثانية عالميا من حيث قوة الاقتصاد.
منظمة اليابان اختارت مملكة البحرين لتكون الموقع الأول - و من ثم جمهورية مصر- لهذا النشاط البيئي والعلمي في منطقة الشرق الأوسط. المتحدثون الرئيسيون في الندوة كانوا ثلاثة: بروفيسور فوجي كورا من جامعة هوسي الخاصة في طوكيو، الدكتور ناواتا من معهد بحوث الإنسانيات والطبيعة، والسيد علي عاشور من هيئة الكهرباء والماء وممثل مملكة البحرين لعام 2009-2010 في برنامج دراسة الشرق الأوسط تحت رعاية مؤسسة اليابان.
البروفيسور فوجي كورا قدم ورقة راقية بعنوان «الخبرة اليابانية للتحكم بالتلوث» حيث وثق مرحلة مهمة في تاريخ اليابان حين انتقلت من امبراطورية مهزومة بعد الحرب العالمية الثانية الى دولة حديثة كبرى بين مصاف الدول الصناعية خلال عقدي الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي. خلال تلك الحقبة، كان المواطنون اليابانيون فخورين بوقائع الطفرة الصناعية والمفارقة ان البطاقات البريدية الصادرة كانت توضح أفق المدن الكبرى وهي ملوثة بأدخنة المصانع و تغطي معظم المناطق السكنية. لم يكن هذا عيبا، فقد ارتفع الناتج الإجمالي المحلي لليابان 250 في المئة ولكن زادت الملوثات الكبريتية 300 في المئة والملوثات العضوية بنفس النسبة. مخططو الاستراتيجية اليابانية وضعوا أولوية تشجيع المعجزة الاقتصادية على المحافظة على البيئة خاصة ان تكنولوجيا مراقبة الملوثات كانت صعبة من الناحية التقنية وبالتالي لم تكن متوافرة.
قدم البروفيسور فيلما تصويريا وثق فيه المآسي البيئية التي عانى منها الأفراد والمجتمعات بسبب عدم التحكم في الملوثات في الهواء و الماء وهذه المآسي المروعة أدت الى تغيير القوانين في البرلمان والبلديات والأجهزة الحكومية بعد ضغوطات من وسائل الإعلام، وأدت الى انتصار القوى اليسارية في المجالس المحلية، و تمكن المواطنون من الفوز في المحاكم في قضايا بيئية بل ان إحدى المدن تمكنت من إلغاء إقامة مصنع بتروكيميائي جديد بسبب خوفها من امتداد الأمراض إلى مواطنيها.
هذا المخاض الصحي أدى إلى زيادة الاهتمام الرسمي بالواقع البيئي في اليابان مما جعل عدد مفتشي البلديات و الأجهزة الحكومية يتضاعف 40 مرة من 300 شخص في العام 1961 إلى عدد يفوق 12,000 في العام 1975 وتغلغل المواضيع البيئية في التعليم الحكومي والعالي. وأخيرا فإن زيادة التعاون البحريني – الياباني في المجال البيئي والعلمي مهم كجزء من توثيق أواصر الصداقة بين الشعبين.
مجيد جاسم
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 2752 - السبت 20 مارس 2010م الموافق 04 ربيع الثاني 1431هـ
_________________
نحن انصار حر كة جعفر الخابوري الثقافيه