في ليلة الخميس..الموافق28/6/1995م، بما يقارب الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشر تقريبا ، تم الهجوم على منزلي ومنزل صديقي الشهيد سعيد ، علماً بأن المنازل تبعد عن بعضها عشرة أمتار تقريباً ، وقد تم ترويع الأطفال والنساء في المنازل وتكسير الاثاث بلا سبب أو حتى إثبات إدانة علينا !! فالمهم .. في ذلك ؟
في ذلك الوقت كنت أنا مع أحد أصدقائي في منزله نذاكر دروسنا ولم يكن الشهيد آنذاك موجودا في منزله أيضا ، بل كان في منزل أحد أقرباءه.
وعند الصباح رجعت أنا من بيت صديقي من المذاكرة إلى منزلي ، رجع كل منا إلى
منزله ، فأخبرونا أهالينا بما حدث في الليلة الماضية وقد تفاجئنا ، بما حدث وتفاجأنا بوجود أمر بالقبض علينا !.. وعندها توجهت مسرعاً إلى بيت صديقي الشهيد سعيد وإذا به أيضا قد أقبل وتلاقينا في الطريق،وكلٌ منا يسأل الثاني لماذا الهجوم ؟!!
والإجابة هي لا ندري!!! ، وكانت تلك هي الحقيقة ، فقررنا نحن الاثنين بأن نسلم أنفسنا إلى مركز الخميس لكي نعرف السبب فذهب كلٌ منا إلى أهله ليودعهم ، والتقينا ثانيهً في الطريق بعد أن أقنعنا والدي بأن يوصلنا معا ، وقبل أن نركب السيارة التي سوف توصلنا قال لي الشهيد : هيا بنا إلى المسجد لنصلي إلى ربنا ركعتين قبل أن نذهب ، فذهبنا وصلينا وركبنا السيارة وكان والدي هو الذي يقود السيارة فوصلنا إلى المركز أعني مركز الخميس ، ودخلنا ووقفنا عند الاستقبال فسألنا الشرطي ما القضية ؟
فأجبنا لاندري كل الذي نعرفه بأن علينا أمر قبض ولا ندري ما السبب !!
فقام الشرطي بأخذ البيانات والعنوان ، علماً بأن الشرطي بحريني الجنسية، ثم قال الشرطي لوالدي : أذهب أنت الآن وبعد بضع ساعات سوف نردهم إلى منازلهم فذهب والدي وبقينا نحن الاثنين في داخل مكتب الاستقبال كلٌ منا ينظر إلى الآخر ، فأمر
الشرطي البحريني شرطياً آخر بحرينياً أيضاً بأن يأخذنا إلى(حوش) أو ساحة تقع في وسط مركز الخميس وتحوطها العنابر أي السجون وكانت الساعة آنذاك التاسعة والنصف صباحاً تقريباً أجلسنا الشرطي مع مساجين جنائيين من أصحاب قضايا المخدرات و السرقة وما شاكل ذلك.
بعدها لاحظت صمت الشهيد الرهيب تعلو وجهه الابتسامة البريئة الحزينة ، وليس من عادته هذا الصمت لأن الشهيد كان مرحاً جداً .
وجاء وقت صلاة الظهر فتوضئنا وصلينا وعند انتهائنا من الصلاة ، جلسنا إلى الغذاء وتغذينا إلا الشهيد رفض بأن يأكل .وما زال الشهيد في صمته حتى صلينا المغرب والعشاء ، عندها أخذ وجه الشهيد يحمر شيئاً فشيئاً حتى اختفت تلك الابتسامة وأزداد في الصمت فوضع رأسه بين ركبتيه ، وكأنه يحس بالمصيبة وماذا سوف يجري ،فأتيت إلية وجلست عنده ووضعت يدي على كتفة وسألته ما بك يا سعيد؟
فرفع رأسه و كان شديد الحمرة وقال لي بأن رأسه يؤلمه جداً.فقمت وطلبت من الشرطي بأن يحضر له الدواء وهو(البندول) فأتى الشرطي بالدواء وشرب الشهيد الدواء وبعد دقائق أتى شرطي ونادى بأسمائنا أنا والشهيد وأخذنا إلى مكان آخر وكانت الساعة تقريباً السابعة مساءً من ليلة الجمعة ، علماً بأن الشرطي بحريني الجنسية،وفي طريقنا سألنا الشرطي عن قضيتنا ؟!
فأجبنا وهو يضحك ويستهزئ بجوابنا وقال سوف تعرفون ما القضية الآن عند وصولكم إلى العنبر !!!... ، وصلنا إلى العنبر فتح الباب الشرطي وإذا به مكتب ،يجلس فيه شرطي بلوشي طويل القامة وضخم الجثة (معروف في المركز باسم صدام) ومعه أيضاً يجلس شرطي سوري الجنسية (ااا يلعنهم) ، ومن هنا بدأت رحلتنا المأساوية الحزينة التي تركت أثراً في نفوس الشعب المخلصين ، كان في يد كل منهم(هراوه) ، التي إذا نزلت على البدن كأنها صعقة كهرباء ، فأستلمونا البلوشي و السوري وخرج الشرطي البحريني من المكتب وبقينا نحن مع هؤلاء الأجانب يا للعجب !!!
فادار بوجوهنا البلوشي إلى الجدار وأمر الشرطي السوري بأن يفتشنا وفعل ذلك اللعين بما أُمر و عندما انتهى من تفتيشنا أمره مرة ثانية بأن يقيدنا بالقيد الحديد (الأفكري ) ويجعل الخرقة المتينة على أعيننا ففعل ذلك كما أمر فـصار المرتزق الخسيس حراً وصرنا نحن المواطنين مكبلين ، ومنذ تلك الساعة وهي التاسعة والنصف مساء ليلة الجمعة ابتدأ التعذيب علماً بأن في ذلك الوقت لم يكن يوجد ظابط في المركز في ذلك الوقت فصرنا في أيادي المجرمين السفاكين للدماء البلوشي والسوري .
بعدها جرنا ذلك البلوشي من المكتب و أدخلنا في زنزانة وأوقفنا فيها مقابلين للجدار ،علماً بأن ذلك الوقت كان الجو أشبه بالنار وانتم تعلمون لا يوجد في تلك الزنازين لا مكيف ولا مروحة وكأن تلك الزنزانة(فرن)!!! فأخذ في شتمنا و إهانتنا وهو يتفنن في تعذيبنا فقام يضربنا ضرباً شديداً على رأسنا بخشبة القانون و الهوز (الانبوب البلاستيكي) المتين الذي في داخلة بعض الحجارة حتى نصل إلى حالة الإغماء، علماً بأن أيادينا كانت مكبله من الخلف، فكنا نسقط على الارض بين فترة وأخرى من ضربنا على الرأس و الحر الشديد و العطش مغشيا علينا ،حتى نوتعي من غشيتنا بالركلات على الرأس (بالحذاء السفتي الحديد) أيضا فيجرنا مرةً ثانية من رأسنا ويوقفنا ونحن في ذلك الوقت نصرخ من شدة الألم و العطش وكان الشهيد يردد عطشان...عطشان وكنت أنا كذلك ولما رآنا وصلنا إلى مرحلة الموت أوقف الضرب فترة بسيطة مقدارها تقريباً ساعة وإذا به قد أقبل بكأسٍ من الماء ولكن أي ماءٍ هذا الذي يغلي من النار ووالله لا أبالغ فلقد كان هذا الماء من الهيتر (السخان)!!!.
تصوروا هذا التعذيب يا أخواني وإلى ذلك الوقت لا ندري ولا نعرف ماهي قضيتنا فأين القانون من هذا؟!!!
وبعد ساعة واصل الملعون في تعذيبه لنا في هذه المرة كان يأخذ الهوز أو الكيبل ويفعل به حركات سخيفة تمس الشرف ويقوم بوضع الهوز في الاماكن الحساسة.
طبعا في هذه الحالة كنا نرتدي ثيابانا ، ونحن واقفين مكبلين مقابلين الجدار والخرقة على أعيننا ونحن نصرخ ونصيح بصوت عال ونعتفر من شدة المصيبة وهو يتلذذ ويضحك علينا ذلك الكلب اللعين ، وصرت أنا بحالة ليس بقادر على الكلام من شدة الغضب و الألم الشديد وكنت أبكي بكاءً عالياً ، وإذا بالشهيد يكبر في وجه الظالم بصوتٍ عالٍ، سبحان الله من أين جاء له ذلك الصوت علماً بأنه كان يتعفر معي في الأرض و كلما كبر الشهيد ازداد البلوشي و أكثر الضرب في الشهيد حتى إن الشهيد كان يرد الضربة التي تأتي من البلوشي برجليه الجريحتان، وعندما أنهكه التعب أي الشرطي(الجلاد) من الحر ومن تعذيبنا فجلس ليستريح ويكمل بعدها تعذيبنا (لا أراحه الله ) ، وتركنا بالجراح على الأرض وكأننا ذبائح كان ينزف من انف الشهيد الدم ومن فمه من اللكمات وكان فمي أنا أيضاً ورأسي ، ولازلنا في ليلة الجمعة،فسألته بحرقة و أنا أصيح وأبكي : ما جرمنا ما القضية؟ فسبني وأسكتني و بعد فترة بسيطة، جرنا من رأسنا وأوقفنا مكبلين بالأفكري مقابلين الجدار و الدماء تنزف منا وأمر شرطياً آخر بأن يقف علينا حارساً لكي لا ننام ولا نجلس ولا نتكئ على الجدار ولا حتى الميل على رجل واحدة ونحن نأن من شدة الألم ، وفي منتصف الليل وصلنا إلى حالة من الانهيار الجسدي و النفسي من التعذيب و الوقوف بلا نوم، أتى لنا شرطي بلوشي أو باكستاني الله أعلم ولكن عرفناه من اللهجة وقام يعمل لنا حركات سخيفة مرة أخرى ولم يكن باستطاعتنا أن نرى شيء من الخرقة التي على أعيننا علماً بأننا في هذا الوقت لم لسنا بقادرين على التحرك الطبيعي ولا على الكلام أعني بأننا لا نقدر بأن ندافع عن أنفسنا حتى بالكلام...
قام الملعون والخسيس عديم الدين والضمير والشرف والانسانية بالتحرش بنا جنسياً وقد كانت ملابسنا علينا وعند انتهاءه من فعلته الخسيسة ، خرج من الزنزانة وبقينا ،طبعاً كنا في ذلك الوقت نبكي بكاءً شديداً ولكن ما باليد حيلة وبقينا بآلامنا وبكائنا ونحن واقفون حتى الصباح ، أذان الفجر وكان وقت الصلاة في تلك الأيام الساعة الثالثة والربع تقريباً ، ونحن لازلنا واقفين حتى جاء وقت الفطور فجاء الشرطي وفك القيد وفتح الخرقة التي على أعيننا وأمرنا بأن نأكل فبمجرد أن جلسنا على الأرض سقطنا على ظهرنا لأننا ليس بقادرين بأن نصلب جسدنا من شدة الإرهاق وبعد نصف ساعة تقريباً أتى لنا الشرطي الحارس ألبسنا الأفكري من الخلف وربط الخرقة على أعيننا ثانية وأوقفنا على ارجلنا مرة ثانية بالسب والإهانة والضرب.
نحن الآن في صباح يوم الجمعه إلى الآن لم نرى أي ضابط أو تحقيق معنا ، فانظروا إلى هذا التسيب في أمن الدولة ، وفي الساعة السادسة صباحاً تقريباً تبدل شفت الشرطة وأتى شفت آخر فمنذ أستلم الشرطة الشفت الثاني واصلوا معنا التعذيب نفسه الذي سبق ذكره حتى صلاة المغرب ، طبعاً في اليوم يوقف التعذيب ما بين الساعة والساعة ونصف ثم يواصلون تعذيبهم لنا ،
نحن الآن في ليلة السبت ولن نرى أي ضابطاً ولا تحقيق ولم نذق طعم النوم بل ما زلنا واقفين من ليلة الجمعة من هذا الوقت بدأت الهلوسة و الإغماء بين الحين والآخر ولا نفيق إلا بالضرب على الرأس ،الرجلين وعلى الفخذين وفوق العضل لكي تشل الحركة وتتباطيء، ويزداد في القيام ويزداد هو بالضرب أخذت الجراح تزداد تلك الليلة ،شيئاً فشيئاً حتى طلع الفجر ونحن لا زلنا بلا نوم واقفين ومكبلين ووقت الفطور أيضاً فتح الشرطي الأفكري وأيادينا جاء الشرطي لكي يفتح الأفكري أقبل إلي أولاً وفتح الأفكري وجلست وإذا بي أرى بأنني ليس قادراً على الجلوس فصرت مكبوباً على وجهي لأن ظهورنا فيها جروح ودماء وأدبارنا متجرحة وتنزف دماء ، وأقبل الشرطي إلى الشهيد لكي يفتح الأفكري ففتحه فأمره بأن يجلس فأمتنع الشهيد من الجلوس، علماً بأننا لازلنا ليس في وعينا الكامل بل في الهلوسة و الشرطي يدري بذلك فقام الشرطي يصرخ في وجه الشهيد والشهيد كذلك يصرخ ويكبر في وجوههم ويكبر فتجمع عليه من الشرطة حوالي3 إلى 4أربعة أشخاص يضربونهُ ويطفئون السجائر في بدنه وهو يقاومهم بالتكبير والصراخ وكان يردد بصوت عاليٍ (إني لست خائفاً منكم أنا لا أخاف إلا من الله وكان يردد أيضاً الله أقوى من الظالم ) ويكررها كثيراً في ذلك الوقت وأنا في هذا الوقت كنت ما بين المغمى عليه والفائق ليس قادراً على التحرك وكأنني مشلول وفي المقابل في هذا الوقت أمد الله الشهيد بالقوة حيث يدافع عن نفسه ويصرخ في وجوههم لكي ينال الشهادة بالعزة على أيدي المرتزقة الخونة الذين يأكلون من خيراتنا ويقتلونا...
فتكاثرت الجراح في الشهيد وسقط على الأرض وهو ينازع ما بين الحياة والموت وإذا باللعين المدعو أو المشهور باسم صدام وفي يده(سيخ حديد)حاد في مقدمته و كأنه مسنون وغرسه في كتف الشهيد فصرخ الشهيد من ذلك الألم ولكن أي صرخة إنها صرخة مملوءة بالأنين أعني بأن الصرخة كانت منخفضة الصوت وكأنه يأن،فجاء شرطياً آخر واعتدى علي جنسياً ،علماً بأن ثيابي كانت علي وذهب آخر إلى الشهيد واعتدى عليه جنسياً أيضا ولم نرى ضابطاً ولا تحقيق ، طبعاً كانت الساعة الثامنة والنصف وبعدها تركوني مرمي وتوجهوا إلى الشهيد وقيدوه ورفعوه فوق بطريقة (الفلقة) لمدة تقريباً ربع ساعة وهم يضربونه في كل مكان وهو معلق ، أخذ الدم يكثر جريانه من أنفه وفمه حتى رموه على الأرض وهو يأن و في الساعة التاسعة والنصف صباحاً جاء شرطي مدني من اللجنة وهو بحريني الجنسية أسمه عادل لكي يستلمنا ويأخذنا إلى لجنة التحقيق فجلس في المكتب وحملنا الشرطة إليه كالجنائز ،كان الشهيد مغماً عليه ولكن كان يأن أنا ، أما أنا كنت أدرك ما أرى ولكن لا أستطيع الكلام ولا التحرك فعندما وصلنا إليه فرآنا بدت عليه علامات التعجب فأوقف الشرطة وسألهم من الذي فعل هكذا في الشخصين؟!
وقفوا كلهم صامتين فكرر عليهم السؤال مرة ثانية ولم يجيبوا أيضاً فوضعونا في السيارة و الشهيد يتحرك ويأن بأنين خفيف ، فأسرعوا بنا إلى المستشفى لأن الشهيد كان ما بين الحياة و الموت ، وصلنا فأمر الشرطي بأن ينزلوا سعيد إلى مستشفى القلعة .. ومنعهم من انزالي وذهب بي إلى لجنة التحقيق ,وأنا بهذا الحال وجرى ما جرى في التحقيق ، ويبدو أن روح سعيد قد فاضت إلى بارئها ، حينها استدعاني كبير الضباط هناك في اللجنة (عطية ااا) وسألني هل سعيد معه مرض مزمن ؟ فأجبته لا ..
فرد علي قائلاً هل تعلم بأن الشهيد كان يعاني من تلف في كبدته !!!.
هذه القصة باختصار
علماً بأن الشهيد لم يلقى تحقيق أبداً وأسـتشهد هو لا يعرف ماهي قضيته ولماذا اعتقل ؟!.
المحمدي غير متواجد حالياً رد مع اقتباس