نساء البحرين والمنطق الزينبي
ام جعفر الجيزاني – صحيفة الهدى : وتهاوت العروش العربية وتساقطت كتساقط أوراق الخريف ، واستيقظت الشعوب بعد طول سبات ,وبعد أن تجرعت الظلم والاضطهاد على أيدي حكامها، إنها تصحو اليوم على وقع حلم جميل لطالما تصورته بعيد المنال، انه الانتصار لقيم التحرر والخلاص من جور الجائرين وظلم المستبدين ، وقد انتقلت حمى عدوى الانتفاضات من بلد إلى بلد ومن سماء إلى سماء ولن تتوقف تلك الحمى المستشرية حتى يتعافى كامل الجسد العربي ، وحتى تحقيق المطالب الشعبية في الحرية والعدل والمساواة . وها هي البشائر قد أتت تحمل بين طياتها عبق التحدي في صدور أبناء البحرين الذين سطروا بقبضاتهم العزلاء ملحمة الرفض بأبهى معانيها وتبدل وجه البحرين الجزيرة الصغيرة القابعة وسط الخليج والذي بدا ولفترة طويلة وجها مستكينا خانعا خاضعا للحكام الظلمة .
وكما كان للشباب دورهم في واقع الرفض الحسيني هذا ، كان للنساء أيضا دورهن ونصيبهن في إرساء قواعد الرفض الزينبي ... ولقد عبر عنهن سماحة السيد هادي المدرسي بأنهن " لبوات"، وان كن نساء البحرين لبوات وهن كذلك فأزواجهن اسود وابناوءهن أشبال وهو بحق تحصيل حاصل .. وهذا القول ليس بكثير عليهن فهن كن ومازلن يقدمن التضحيات لو التضحيات وليس عطاؤهن وليد اللحظة الراهنة . فالمرأة البحرينية مشهود لها بالنضال والكفاح ولسن من طلاب البذخ الزائل ولامن المستميتات لدنيا فانية ولقد برزن متحديات القبضة الخليفية الرعناء ، ومصممات على نيل إحدى الحسنيين إلى جنب الرجال وفي ميدان المواجهة ،ولم يخلين مواقعهن طلبا للسلامة أو خوفا من رصاص من ايادي مرتزقة لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل وشاب .. كن ومنذ الوهلة الأولى رافضات لكل أشكال الخنوع والذل والاستكانة والرضا بواقع الحال ، كان بإمكانهن ان يقبعن في بيوتهن ويكتفين بالدور اللوجستي ،إلا أنهن اثبتن باشتراكهن في ميدان لؤلؤة الحرية ان المجتمع البحريني مجتمع حي ، وكما أن الطائر لا يطير إلا بجناحيه ، فكذلك لن يبلغ المجتمع الحي النصر الكامل بجناح واحد ، فكن هن الجناح الثاني لطائر البحرين المحلق في سماء الحرية والانعتاق .
أنظروا إلى المرأة البحرينية التي تقدم أبناءها شهداء في سبيل الحق ... انظروا إلى صبرها وجلدها وثباتها يا من تراهنون على التفاوض والحوار مع النظام الفاشستي القمعي الذي سفك دماء أبناء شعب البحرين . انظروا إلى شجاعتها ومنطقها الزينبي والذي حددته أم الشهيد الشاب علي المشيمع التي ضربت مثلا بالصبر والاستقامة والثبات: (سنزيلكم من الحكم سنزيلكم سأدعو الله عليكم ليلا نهارا ...) وهل بين دعوه المظلوم وبين السماء حجاب ..!؟ انه منطق زينبي بكل معنى الكلمة ، رسمته لنا بطلة كربلاء الأولى زينب سلام الله عليها حينما خاطبت طاغي زمانها بقولها (.. فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، وهل أيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد .. يوم ينادي المنادي إلا لعنة الله على الظالمين ..) .فها هي لعنات الشعوب المضطهدة والمظلومة تلاحق الظالمين أينما كانوا وصرخاتهم لازالت تدوي ((هيهات من الذلة )).
وأن كان لشعب تونس في الاونة الاخيرة شرف السبق للتصدي للظالمين، فلشعب البحرين شرف المبادرة في زلزلة عروش الخليج المنخورة وأن كانت المرأة التونسية والمصرية دورهن في تحرير بلدانهن من نير الظالمين والمستبدين ، ومن قبهن الدور الرسالي المشرف للمرأة العراقية الصابرة المجاهدة في زمن الطغيان الصدامي، فأن للمرأة البحرينية اليوم ( وكما بالامس) دور حاسم في صياغة تأريخ الخليج صياغة جديدة بمقاييس وأطر جديدة ، ستقف الأجيال القادمة وقفة اعتزاز وفخر بما سطرته المرأة البحرينية من ملامح أدهشت العالم باجمعه .. فلقد أثبتت لكل ذي بصيرة أن الحجاب لم يكن يوما يشكل عائقا أمام التحرك والرفض النسوي ، بل هو سلاح إضافي في معركة الصمود ، أو ليس الطاغوت يشحذ كل أسلحته بوجه العزل والمسالمين أذا فلنشحذ كل أسلحتنا بوجهه . فيا أختاه واصلي المشوار .. و بورك رفضك وحجابكٍ .. وبوركت أمة نساؤها يحتسبن أبناءهن شهداء عند الله عز وجل ، وبوركت أمة نساؤها زينبيات بامتياز .
ام جعفر الجيزاني – صحيفة الهدى العدد 218 – 8 مارس 2011