فصل المواطنين من أعمالهم
مضت فترة غير قصيرة وبلادنا تُصبِح وتُمسِي على خطاباتٍ تبثُّ الخوفَ وتدعو إلى الانقسام والانفصام المجتمعي، وقد تحوَّلت إلى ما يشبه الأغنيات المؤذية لمستمعيها بسبب قُبحِ الصَّوتِ وعطبِ الجهاز المُستخدم.
نِداءاتُ التَّخويف والتَّخوينِ أَصبحت مرضاً مُزمناً، نحتاج، لعلاجه، ربما إلى علماء نفسٍ للتَّحليل أكثر من حاجتنا إِلى من يفهمُ ويمارسُ السِّياسة. فالبعضُ يهدِّد بـ «ردَّةِ الفعلِ» إِذا تم اتِّخاذ هذه الخُطوة التَّصحيحية أو تلك، ويتحدَّث عن احتمال انتهاء وجود فئةٍ مَّا إِذا لم يتم القضاء على فئةٍ أخرى.
لقد جرَّبنا مرحلة سِياسيَّة هيمنت عليها الغوغائيَّةُ والممارساتُ الإقصائيَّةُ التي نفذتها بعض الجهات بمهارة وذلك عبر استغلال الأحداث التي مرَّت بها بلادنا. ونرى أَن الممارساتِ الإِقصائيَّة لا تعترفُ حتى بِالتَّوجيهات الصادرة عن القِيادةِ السِّياسيَّة، ولا يَهمُّها أيَّةُ وعودٍ تُعطى لِلَجنةِ تحقيقٍ أَو أَيةِ جهةٍ دوليَّة أخرى عن المسار الخطير الذي تسير عليه الأمور.
لقد أدَّت سياسة إقصاء المُواطنين عن أعمالهم في القطاعين الخاص والعام (واستمرارها إِلى الآن) إِلى ردود أفعال، من بينها احتجاج النِّقابات الأَميركيَّة على اتِّفاق التِّجارة الحرَّة بين أميركا والبحرين، والكونغرس حاليّاً يراجع تبعات والتزامات الاتَّفاق بين البلدين، والنِّقابات توفر معلوماتٍ عن الأشخاص الذين يتم فصلهم يوميّاً من أعمالهم، بحيث إنَّ الأخبار الجيَّدة عن إعادة البعض إلى أعمالهم لا تكون لها آثارُها المرجوة. ولعلَّ من يواصل فصل الموظَّفين لا يهمه ما يحدث لسمعة البحرين؛ ففي ديسمبر/ كانون الأول المقبل سيتم اتَّخاذ قرار بشأن إلتزامات اتَّفاق التجارة الحرَّة (وربما يتضرَّر الاتَّفاق بشكل مباشر بسبب هذه الممارسات)، ونحن لا نريد لبلادنا أن تُتَّهمَ بممارساتٍ مرفوضةٍ دوليّاً وتخترق موادَّ الاتفاقات والالتزامات.
لقد ازداد عدد المواطنين الذين يشعرون بالإِحباط واليأَس، وأَصبحت أَخبار الفصل وغيرها من الممارسات غير المقبولة إِنسانيّاً كأنَّها ماركةٌ مسجَّلةٌ لبلادنا، وذلك ربما لأَنَّ هناك من لا يهمُّه ما يحصل لمستقبل البحرين.
من الجيِّد أَن نتحدَّث عن الوحدة الوطنيَّة، وعن كثير من الشِّعارات الجميلة، ولكن لا نريد مثل هذا الحديث أن يكون مجرَّد تمثيليَّةٍ للتَّظاهر بنجاح لا وجود له على الأرض وذلك بسبب استمرار ممارساتٍ تخالف حتى الأَوامر الملكيَّة الواضحة.
إِنَّ الذين يواصلون فصل المواطنين من وظائفهم، وأولئك الذين يرفضون إعادة من تم فصلهم إنَّما يزعزعون الثقة في نهاية الأزمة التي نمرُّ بها، كما أن الإقصائيين يخرِّبون أية خطوة حكيمة تعلنها القيادة السِّياسيَّة. إننا كبحرينيين يجب أَن نشعر جميعنا بأننا نعيش في وطن يعامل المواطنون فيه على قدم المساواة، وأن نتحرَّك جميعاً لإعادة البحرين إلى ما تستحقُّه من مكانة محترمة
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3260 - الخميس 11 أغسطس 2011م الموافق 11 رمضان 1432هـ