أفرحونا أيها التونسيون
ملايين التونسيين توجهوا أمس للإدلاء بأصواتهم لأول مرة منذ الاستقلال وهم واثقون بأن نتيجة تصويتهم لن يتم تزويرها. التونسيون اتجهوا لصناديق الاقتراع لتشكيل مجلس تأسيسي لصوغ دستور جديد وهم يرفعون رؤوسهم بكل فخر واعتزاز، وينظرون إلى المستقبل بأمل كبير، وهو إثبات أن العرب بشر مثلهم مثل غيرهم، لهم حقوق وعليهم واجبات، لهم قيمة ولهم صوت مسموع في بلادهم... هذا البلد الجميل الذي أطلق ربيعاً عربياً يستطيع الآن أنْ يثبت للجميع أنّ العرب قادرون على إدارة خلافاتهم بسلمية، وأنهم قادرون على التفاهم فيما بينهم بالاحتكام لقواعد دستورية متحضرة ترقى إلى ما هو متوافر لإنسان الدول المتقدمة والتي تقوم على احترام إرادة شعوبها.
التونسيون أدخلوا عالمنا العربي مسار النهج السلمي في العمل السياسي من دون طوائف، ومن دون قبائل، ومن دون رموز تطغى بشخصياتها على المشهد السياسي، ومن دون أيديولوجيات طاردة للآخر... وهم اليوم يمسكون بزمام الأمور ليعطونا درساً آخر في طريقة النهوض ببلدهم الذي ودع الاستبداد وشرع الأبواب نحو ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية وحريات شخصية وحريات عامة. لن يحتاج شاب آخر مثل المرحوم محمد البوعزيزي أن يحرق نفسه بعد اليوم إن شاء الله، فالعملية السياسية المنفتحة على المجتمع تتحمل الصعاب وتتحمل الشكاوى وتتحمل الانتقادات.
التونسيون الذين فاجأوا العالم في نهاية 2010 بانتفاضتهم السلمية والخاطفة، بإمكانهم في نهاية العام 2011 أن يفاجئوا الجميع بكيفية التعامل مع بعضهم بعضاً بصورة مدنية، وكيف يقبلون بالاختلاف داخل حدود الوطن، ويؤسسون لحياة دستورية تستوعب الإسلامي الذي لا يلغي العلماني، كما تستوعب العلماني الذي لا يلغي الإسلامي.
لطالما تحدث رئيس حزب النهضة الشيخ راشد الغنوشي عن الديمقراطية والتعددية، حتى استحق أن يسمى «شيخ الديمقراطية» في أوساط الإسلاميين... كان ذلك في فترة التنظير وفي المهجر، والآن لدى الغنوشي وحزب النهضة الفرصة لإثبات أقوالهم عبر الأفعال، ولإثبات أن الإسلامي ليس أقل من غيره في الاعتراف بالآخر، والتعايش مع الآخر... وليس أقل من غيره في حماية حقوق الأفراد، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، كل ذلك على أساس المواطنة الراسخة ضمن مؤسسات ديمقراطية. أفرحونا أيها التونسيون بديمقراطية نفخر بها أمام العالم
منصور الجمري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3334 - الإثنين 24 أكتوبر 2011م الموافق 26 ذي القعدة 1432هـ