مفاجآت ميثاق الشرف الصحفي!
كان توقيع «ميثاق الشرف الصحفي» الجديد احتفاليةً مليئةً بالمفاجآت!
أولى المفاجآت أن اليوم الأول من تدشينه ترافق مع مغالطة كبيرة عن عدد الموقّعين، وهو ما لا يتفق مع الشفافية والوضوح والمهنية وحقوق الإنسان! الخبر الذي روّجته الجهة المنظمة، أشار إلى توقيع 360 صحافياً، في ظلّ مقاطعة أغلب منتسبي الجسم الصحفي في البحرين. ولنتذكر أن الميثاق السابق وصل عدد الموقعين عليه 200 صحافي فقط، رغم مشاركة كل الصحف، ووسط تحشيد إعلامي كبير، فمن أين جيء بهذا العدد المزعوم؟
في مثل هذه الاحتفاليات، يجري نشر صور أكبر عددٍ من الموقّعين، لإثبات نجاحها، ولكن ما نُشر من صور يؤكد روايات شهود العيان، بأن عدد الحضور لم يتجاوز 60 شخصاً، نصفهم لا تربطهم أية علاقة بالصحافة. وبالتالي من سوء حظّ هذا الميثاق أن لا يتجاوز عدد الموقعين عليه الثلاثين شخصاً (أقل من 10 في المئة من موقّعي الميثاق القديم).
الميثاق «الجديد» وُلِد ميّتاً ساعة توقيعه، ولم تنجح صور الابتسامات الصناعية في التغطية على إخفاقه. وأحد الظواهر اللافتة أن هناك إجماعاً على مقاطعة التوقيع من كلا الطرفين. فالصحافيون «المستقلون» لم يوقّعوه لعدم ثقتهم بدوافع أصحابه نتيجة خبرتهم الطويلة والمتراكمة؛ وفي المقابل هناك الصحافيون «المشتبه» بتجاوزهم أخلاقيات المهنة وقواعد الصدق ومخالفة الشرف، لأن التوقيع سيدينهم! وهي تجاوزاتٌ بالجملة، لم يحن بعد وقت رصدها بالكامل، لأنها ستكون صفحةً سوداء في تاريخ الصحافة البحرينية.
لم يحدث قط أن حرّض رؤساء تحرير على زميلٍ لهم، وساهموا في إدانته ومحاكمته وإغلاق صحيفته دون سماع رأيه. أتكلّم وقد قرأت كل الكتب التي أصدرتها وزارة الثقافة عن صحافيينا القدامى (الزايد، الجشي، سيّار، البحارنة...)، وهم من مشارب فكرية مختلفة، لم ينزل أحدهم إلى مستوى التحريض على زملائه، أو التآمر لإغلاق مجلته. تلك أمّةٌ قد خلت، ويؤسفنا ما انتهت إليه الصحافة في عهدها الأخير.
إنها إشكاليةٌ أخلاقيةٌ تتعلق بالقيم وتجاوز خطوط الشرف الحمراء، فيمكنك أن «تفهم» دوافع الحرص والطمع حين يشي موظفٌ صغيرٌ بزميله ليجلس على كرسيه، إلا أنك لا تستطيع تفهّم دوافع كاتبٍ أو مثقفٍ يحرّض على منافسيه مقابل أجرٍ وعمولةٍ... أو بالمجان!
مفاجأةٌ أخرى تعتبر خطأ استراتيجياً فادحاً، استضافة نقيبٍ تم طرده من نقابته قبل أشهر في بلده لتهمٍ شتى، ليكون شاهداً على مولد الميثاق الجديد. لو كنا في السبعينيات لأمكن مداراة ذلك والتستر عليه، لكن في عصر الانترنت والفضاءات المفتوحة، يمكنك خلال دقيقة استدعاء تاريخ أي شخصٍ على وجه الأرض! اكتب اسمه - كما فعل بعض الزملاء - وسوف تنزل لك المقالات والأخبار والتقارير عنه، بما فيها لقطات الفيديو من «اليوتيوب»! لم يكن الشاهد المناسب للتوقيع على الميثاق المناسب على الإطلاق!
في أوساط الصحافيين المستقلين، انتشرت مطالبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتذار إخوانهم الذين أخطأوا في حقهم أو وشوا بهم أو شوّهوا سمعتهم، أو تسبّبوا في أذاهم مادياً أو معنوياً. «لمّ الشمل» يحتاج إلى صدق وشفافية وشرف غير مغشوش، وأولى خطوات المصالحة الاعتذار علناً.
شكرٌ واجبٌ إلى «رابطة الصحافة البحرينية» التي تشكّلت مع موجة الهجرة الجديدة للكوادر الإعلامية البحرينية، ونجحت خلال أشهر في إيصال صوت الصحافيين المستقلين من ضحايا المكارثية الإعلامية ووضعتها على طاولة المنظمات الدولية. ألف شكر
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3424 - الأحد 22 يناير 2012م الموافق 28 صفر 1433هـ