أكبر ماكنة إعلامية!
حين أطلق ثلاثةٌ من الشبان الأميركيين موقع التدوين القصير «تويتر» قبل سنوات، لم يكن يخطر ببالهم أنه سيتحوّل إلى أكبر منتدى حوار سياسي في منطقة الشرق الأوسط.
لم يكن هؤلاء (جاك دورسي، إيفان ويليامز، بيز ستون) من ضمن موظفي البيت الأبيض، ولا ضمن طاقم وزيرة الخارجية السابقة (كونداليزا) التي أرادت استيلاد «الشرق الأوسط الجديد»، ولا اللاحقة (هيلاري) التي عملت جاهدةً لاحتواء «الربيع العربي». وحتى حين أطلقوا «تويتر» في مارس/ آذار 2006، كان أحدهم يرى أنه مجرد مضيعة للوقت، وحين انتقد أحد المستخدمين ذلك أجاب: «نعم! إنه غير مفيد، لكنه مثل الآيسكريم تشعر بالسعادة عند تناوله»! وما هي إلا سنوات حتى أصبح مشروعهم ثالث شبكة تواصل اجتماعي في العالم، وحين بدأ باراك أوباما حملته الانتخابية اعتمده كأحد وسائل تواصله مع الجمهور.
الشبان الثلاثة من مواليد النصف الأول من السبعنيات، التي شهدت أكبر فضيحةٍ سياسيةٍ في بلادهم (ووترغيت)، حيث أطاحت الصحافة بالرئيس نيكسون بسبب التجسس على الحزب المنافس أثناء حملة الانتخابات. وبلاشك لم يكن يخطر ببالهم أن ملايين الشباب العرب سيستخدمونه بعد بضع سنواتٍ لمناقشة أوضاع بلدانهم السياسية والاجتماعية الخانقة.
المدوّن المصري جمال عيد، الذي عرّف عن نفسه على الطريقة المصرية: «حقوقي مستبد، يساري رأسمالي، عسكري ديمقراطي»، ويتابعه 85 ألفاً، كتب قبل أيام: «أعتقد وعلى مسئوليتي أنه بالنسبة للعالم العربي، تويتر يتكلّم بحريني وليس عربي، فإندونيسيا الثالثة في العالم، والبحرين الأولى عربياً في تويتر». وهي إشارةٌ ذكيةٌ للواقع الجديد الذي مازال يجهله عددٌ من القائمين والعاملين في الإعلام التقليدي.
موقع «تويتر» ماكنةٌ إعلاميةٌ ضخمةٌ، تحرّك أكبر عملية حوار عام مفتوح في الشأن السياسي في البحرين، وبسقف حريةٍ أعلى بكثير من كلّ ما تتيحه قنوات التواصل التقليدية الأخرى مجتمعةً. وفي الوقت الذي تراجع منسوب الحرية خلال العامين الأخيرين، وضُيّق على هامش حرية التعبير في الصحافة إلى مستوى التسعنيات، فإن التقنية الحديثة أصبحت تقدّم بدائل أسرع وأكثر انفتاحاً واتساعاً.
في هذا الفضاء ليس هناك محرماتٌ إلا ما يمليه الضمير عند أصحاب المبادئ والقيم، ولا شخصيّات مقدسة أو فوق النقد. وحين اعتبر بعض الوزراء التواجد في هذا الفضاء ميزةً تجلب له الشهرة، سرعان ما تحوّل إلى عامل ضغطٍ وإحراج، لما يتعرّض له من نقدٍ وردودٍ صريحةٍ ومحرجةٍ لكل ما يتفوّه به أمام جماهير «تويتر». فالشخصية العامة لا تتوقّع أن تجد أمامها مصفّقين في هذا الفضاء، وعليها أن تنزع الهالة الضخمة التي تحيط بها نفسها بمجرد دخول العتبات الأولى لعالم «تويتر». فالوزير ذات مصونةٌ في وسائل الإعلام الكلاسيكية، أما في «تويتر» فهو شخصٌ من الجمهور.
جاء «تويتر» في لحظة تاريخية حاسمة، بعدما اختنقت الشعوب بفعل التضييق الشديد على الحريات، والاستهانة التامة بالكرامات، وشرعنة قوانين النشر وتقييد حرية التجمعات، في ظلّ برلمانات صورية مشلولة الإرادة لا تمثل الشعوب... وانتشار الفساد لدرجاتٍ غير مسبوقةٍ، جعلت البلدان العربية تتنافس على المراكز الأولى في تقارير الفساد في العالم.
لقد ضاقت ولما استحكمت حلقاتها، جاءت التقنية الحديثة لتلقي للشعوب المخنوقة بأطواق النجاة، تويتر وفيسبوك وبقية الأخوات... للتعبير عن خلجاتها وإطلاق الصراخ من شدة الألم.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3508 - الأحد 15 أبريل 2012م الموافق 24 جمادى الأولى 1433هـ