اصدارات جديدة: الألفاظ المشتركة بين اللغة العربية ولغات الشعوب
الكتاب: التواصل الحضاري بين الشعوب
الكاتب: أنور محمود زناتي
الناشر: دائرة الثقافة والإعلام, الشارقة
عدد الصفحات: 128
عرض: رجب محمد بشير
شبكة النبأ: صدر عن دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة كتاب "التواصل الحضاري بين الشعوب" "الألفاظ المشتركة بين اللغة العربية ولغات الشعوب الأخرى نموذجاً" للكاتب والأكاديمي المصري أنور محمود زناتي.
والكتاب يتعرض للألفاظ المشتركة بين اللغة العربية ولغات الشعوب الأخرى والتي تؤكد دور الإسلام في إيجاد تواصل وتمازج بين الحضارات وهذا التواصل سيؤدي إلى بناء علاقات حميمة وتفاعلات حضارية تقرّب بين الأطراف المختلفة.
ويتفق البحث أيضاً مع ما ذهبت إليه مينيكه شيبر Mineke Schipper من تأكيد علي أن الإنسانية تتكون من أقرباء لم يهتموا أبدا بأن يلتقوا، وأن المعرفة المشتركة هي مفتاح مهم للتعايش السلمي علي كل المستويات، فالنظر إلي ما نشترك فيه كآدميين مثمر تماما، وهو أكثر إلحاحا اليوم عن أي وقت مضي. هذه نقطة انطلاق تتفوق كثيرا علي الإصرار الدائم علي " نحن" في مقابل "هم"، علي من ينتمي في مقابل من لا ينتمي، وفي أسوا الأحوال، إسقاط محاور خطيرة للشر "بيننا" و "بينهم" "Us" and "them".
ويؤكد الكتاب على أن اللغة لها خاصية إنسانية Feature of human ترتبط بالإنسان دون الحيوان؛ولذلك عدها "وليام ويتني" مؤسسة اجتماعية، واللغة كائن حي، وكلّما اتسعت حضارة أمة، نهضت لغتها وسمت أساليبها، وتعددت فيها فنون القول، ودخلت فيها ألفاظ جديدة عن طريق الوضع، والاشتقاق والاقتباس أو الاقتراض للتعبير عن المسميات والأفكار الجديدة، فتحيا هذه اللغة وتتطور عبر الزمن وتتلاقح مع غيرها من اللغات.
واللغة بصفة عامة تلعب دوراً هاماً في صياغة عقلية الفرد والمجتمع ـ وهو ما ذهب إليه إدوارد سابير Edward Sapir من أن: " اللغة تنظم تجربة المجتمع"، وهي التي تصوغ عالمه وواقعه الحقيقي، وأن: " كل لغة تنطوي على رؤية خاصة للعالم". وذهب سابير وورف إلى أن اللغة " أساس تشكيل الأفكار، ودليل على النشاط الفكري للفرد"، وإن الأمر ليتجاوز ذلك إلى المجتمع ذاته، إذ نجدها الأساس الذي تنبني عليه الهوية الاجتماعية علاوة على الهوية الفردية".
ولا أحد منّا ينكر أنّ اللغات تتداخل وتتلاقح كلما اتصلت إحداها بالأخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأنّ أية لغة من اللغات في العالم كما تؤثر في غيرها، فإنها أيضا تتأثر. وإنّه "من المتعذر أن تظل لغة بمأمن من الاحتكاك بلغة أخرى". ويرى عالم اللغة الفرنسى جوزيف فندريس أن تطور اللغة مستمر في معزل عن كلّ تأثير خارجي، يعدّ أمرا مثاليا لا يكاد يتحقق في أية لغة، بل على العكس من ذلك، فإنّ الأثر الذي يقع على لغة ما من لغات مجاورة لها، كثيرا ما يؤدي دورا هاما في التطور اللغوي، ذلك لأنّ احتكاك اللغات ضرورة تاريخية، واحتكاكها يؤدي حتما إلى تداخلها.
يقول المستشرق إرنست رينان Ernest Renan (
في كتابه تاريخ اللغات السامية Histoire générale des langues sémitiques: "إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر كما يعتبر من أصعب الأمور التي استعصى حلها؛ فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدت فجأة على غاية الكمال سلسة غاية السلاسة، غنية أي غنى،... وإن اللغة العربية - ولا جدال - قد عمت أجزاء كبرى من العالم".
ويقول جوستاف لوبون Gustave Le Bon (9) صاحب كتاب حضارة العرب La civilisation des Arabes: "كلما تعمق المرء في دراسة العربية تجلت له أمور جديدة، واتسعت أمامه الآفاق وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة العرب، وأن العرب هم الذين مدنوا أوروبا في المادة والعقل والخلق".
ويقول ديفيد صمويل مرجليوث Margoliouth الأستاذ بجامعة أوكسفورد " أن اللغة العربية لاتزال حية حياة حقيقية، وهى واحدة من ثلاث لغات إستولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليها غيرها، الانجليزية الاسبانية اختاها تخالف أختيها بأن زمان حدوثهما معروف ولا يزيد سنهما على قرون معدودة أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ".
ويقول الأستاذ ماكس فانتا جوا Max Vintéjoux فى كتابه "المعجزة العربية" ""Le miracle arabe: "الحق أن مؤرخينا قد حاولوا جهدهم أن يجعلوا من العالم الغربي محورا للتاريخ مع العلم بأن كل مراقب يدرك أن الشرق الأدنى هو المحور الحقيقي لتاريخ القرون الوسطى. إن تأثير اللغة العربية Arabic influence قد شكل تفكيرنا بصورة كبيرة".
وقد لاحظ ذلك فيلسوف الحضارة أزوالد شبنجلر Oswald Spengler فى كتابه الشهير "سقوط الغرب" Downfall of the Occident قائلا: " لقد لعبت العربية دوراً أساسيا كوسيلة لنشر المعارف، وآلية التفكير خلال المرحلة التاريخية التى بدأت حين احتكر العرب على حساب اليونان Greek والرومان Romans عن طريق الهند، ثم انتهت حين خسروها".
أما الأمريكي (وليم ورل) فيقول: "إن اللغة العربية من اللين، والمرونة، مايمكنها من التكيّف وفق مقتضيات هذا العصر، وهي لم تتقهقر فيما مضى أمام أية لغة أخرى، من اللغات التي احتكّت بها. وستحافظ على كيانها في المستقبل، كما حافظت عليه في الماضي.
والاحتكاك المباشر وغير المباشر بين الشعوب ولغاتها أدى إلى انتقال مفردات اللغة العربيةِ Arabic vocabulary إلى اللغات الأخرى other languages. كالإسبانية Spanish والإيطالية Italian، واليونانية Greek والتركية Turkish والفارسية والإنجليزية والفرنسية، الخ.
ونتيجة للتعايش Coexistence بين اللغات يقع التأثير والتأثر بين فيما بينها ويتمثل في اقتراض الألفاظ Borrowing words، فيتسع محل اللغة وتتطور وتزداد حيويتها، وتلك سنة اللغات حين التعايش والاحتكاك.
Coexistence and friction والتجاور Dialogue. ونجد اللغة العربية كغيرها من اللغات في العالم عبر التاريخ تداخلت مع اللغات الأخرى حين احتكت واتصلت بالأمم المجاورة بسبب الحروب والمعاملات التجارية والثقافية، فأثرت وتأثرت حسب قانون التجاور والتواصل الحضاري.
وقد أدى التواصل الحضاري واللغوي Cultural communication and linguistic إلى دخول الآلاف من الكلمات العربية إلى اللغات الأجنبية، وتنوعت تلك الألفاظ ما بين علمية وأدبية وحياتية تتعلق بأمور المعيشة، بل والمصطلحات العلمية أيضاً وقد ذكر ابن سينا الكثير من العقاقير التي دخلت في علم النبات، وعلم الصيدلة عند الأوربيين، وظل الكثير منها بأسمائها العربية في اللغات الأجنبية كعنبر Ambra، والزعفران Safaran والكافور Kampfer، والتمر الهنديTamar inda وعود الندAloe والحشيش Haschisch والمسك Muskat والصندل Sandelholz وغيرها..
ويكفي العرب فخراً ما بقي من الأسماء الطبية في اللغات الغربية كالكحول والصداع Soda وقد سجل الاستاذ ويسلر في كتابه الحضارة العربية الكلمات العربية التي دخلت اللغات الأجنبية.
وتطلق الأرقام العربية Arabic numerals على الرموز الكتابية التي تمثل الأعداد وتكتب على النحو الآتي:1-2-3-4-5-6-7-8-9-0، وذلك في مقابل الأرقام الرومانية الــتي كـــــانت مستعـــملة من قبل مـــثل I.V.X.D.M.. والغريب هو أن تعترف القواميس الغربية بأن الرموز الرقمية المستعملة في أوربا وأكثرية بلدان العالم هي أرقام عربية، وأن يعتقد الكثيرون من العرب اليوم أنها أرقام غربية إفرنجية.
وقد نقلت كلمة "صفر" العربية والصفر هو الخالي أو الخلوى، إلى اللاتينية هكذا: Cifra Cifrum بمعنى "الصفر"، ثم أطلقت من بعد على العدد عامة، كما نجد في اللغات الأوروبية: chiffre في الفرنسية وcifra الأسبانية. ومنها أخذت كلمة "السفرة" في الدبلوماسية أي اللغة الرمزية، لأنها تقوم على أرقام.
وتحفل لغات أوروبية عديدة بكلمات وعبارات استعارتها من اللغة العربية وبما أن الأفكار والمفاهيم تتخذ شكلها في صورة كلمات، فإن الدَّين الثقافي الذي يدين به الغربيون للحضارة العربية الإسلامية ينعكس في الكلمات المستعارة من اللغة العربية والتي يستخدمها المثقفون والمتعلمون من الغربيين في لغاتهم حتى يومنا هذا؛ فإذا أخذنا على سبيل المثال كلمة كلمة سراط، فهي strada،street، strase، هذه كلمات مشتركة لها أساس في اللغة العربية وهي فعل سار – سيرا العربي. وإذا أخذنا كلمة سطر، أسطورة، تبين لنا أنها أمتدت في العديد من اللغات بشكل History، فإما أن تكون هذه الافعال العربية مشتقة من هذه الاسماء المشتركة التي تدل على معناها، وهذا بعيد عن المنطق السليم، و إما أن هذه الأسماء مشتقة من هذه الافعال العربية وهذا أقرب الى المنطق السليم.
وكلمة Safari في اللغات الأوربية والتي تعني الرحلة وخاصة رحلات القنص، مأخوذة من الكلمة العربية سفري نسبه الى سفر. وكلمة Racket وكلمة raquette مضرب التنس، مأخوذة من العربية راحة نسبه إلى راحة اليد. وكلمة Magazine معناها إما مجلة او مخزن للذخيرة أو البضائع، وهي اصلا ً من الكلمه عربية مخزن. وكلمة Amber بمعنى الكهرمان، أصلها عربي وهي عنبر.وكلمة Admiral من العربية أمير البحر، وكلمة Alcove من العربية القبة، وكلمة Algebra من العربية الجبر وكلمة Apricot من العربية البرقوق وكلمة Arsenal من العربية دار الصناعة وكلمة Cumin من العربية كمون وكلمة Gazelle من العربية غزال وكلمة Genie من العربية جنّي وكلمة Lute من العربية العود وكلمة Tariff من العربية تعريفة وكلمة Typhoon من العربية طوفان.
ونلاحظ التناغم العجيب ونتخيل معاً مدى التقارب بين كلمة عربية وهي كلمة رفض نجدها في الايطالية Rifiuto والفرنسية ريفوز refuser وأخرى انكليزية REFUSE. يحملنا ذلك على ضرورة إدراك القواسم المشتركة بين كل اللغات ودلالتها الحضارية.
ويعد انتشار الكلمات العربية داخل اللغة الإسبانية دليل على عمق التأثير العربي والإسلامي الذي يظل حتى يومنا هذا شاهدا على حضارة أسسها العرب في شبه الجزيرة الإيبيرية Iberian Peninsula، فمع الفتح الإسلامي للأندلس فتحت صفحة لالتقاء ثقافتين ثقافتين هما العربية الإسلامية واللاتينية المسيحية، اتصلتا وتفاعلتا فتعرضتا للتأثير المتبادلل عبر عصور التعايش
المشترك.
وقد لاحظ المستعرب الإسباني Arabista español خوان برنيط Juan-Vernet في كتابه "المسلمون الإسبان " LOS MUSULMANES ESPAÑOLES إنه من العسير جداً أن نحدد مدى التأثير الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، ذلك أن الأندلس كانت دائماً هدفاً للهجرات الشرقية مما يكون له أثره فيما قبل الإسلام بكثير على أن هناك أشياء ماثلة لا يمكن الشك في أنها إسلامية، وذلك ما هو موجود في اللغة من ألفاظ وتعبيرات.
وقد أورد الكاتب عدداً كبيراً من الكلمات الاسبانية من أصل عربي مثل:
الإسبانية
Spanish العربية
Aracic الإسبانية
Spanish العربية
Aracic الإسبانية
Spanish العربية
أما عن تأثير اللغة العربية في اللغة الإيطالية، فيقول رينالدي: "لقد ترك المسلمون عددًا عظيمًا من كلماتهم في اللغة الصقلية والإيطالية، وانتقل كثير من الكلمات الصقلية التي من أصل عربي إلى اللغة الإيطالية ثم تداخلت في اللغة العربية الفصحى، ولم تكن الكلمات فقط هي التي دخلت إيطاليا، وإنما تسربت أيضًا بعض جداول من الدم العربي في الجالية العربية التي نقلها معه إلى مدينة لوشيرا، الملك فريدريك الثاني... ولا يزال الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في لغتنا الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت اللغة بطريق المدنية لا بطريق الاستعمار... إن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية، يشهد بما كان للمدنية العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي".
ومن أمثلة الكلمات العربية التي دخلت الايطالية كلمة قالب العربية نجدها في الايطالية calibro، وكلمة مرتبة materasso بمعنى فراش وكلمة الكحول العربية نجدها في الإيطالية alcol، وكلمة chitarra من العربية قيثار، وكلمة طرمبة العربية: Trmbp وتعني مضخة المياه، وكلمة مملوك العربية نجدها في الإيطالية mamelucco وسلطان sultano وزرافة giraffa وقيراط carato
وفي الختام يؤكد الكاتب على أن اللغة العربية عاشت فترة طويلة من عمر البشرية بوصفها لغة رسمية عامة lingua franca لشعوب وأجناس شتى، وشملت كل مناحي الحياة اليومية، فكانت لغة الحياة الخاصة والثقافة العامة، ولم يكن لمدعي فكرٍ ومعرفةٍ بدٌ من أن يتقنها. والعربية لغة كاملة، خرجت إلى الدنيا – خارج الجزيرة العربية – مكتملة النمو بنحوها وصرفها وبلاغتها وكتابها أيضاً فغلبت على غيرها من اللغات لأنها لغة القرآن الكريم أولاً ثم بفضائلها الذاتية ثانياً، وجعل المسلمون من حقبة حكمهم بوتقة انصهار ذابت واختلطت فيها قوميات وملل ولغات شتى، حملوا فيها راية القيادة في مضمار الحضارة البشرية، دونما إدراكٍ منهم بأنهم قد أعدوا ترياق النجاة للأوروبيين فيما هو آت من عصر نهضتهم.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيار/2012 - 16/جمادى الآخر/1433