ماذا سيفعل وزير الصحة الآن؟
اختُتمت أمس مراسم فاتحة فقيد مرض فقر الدم المنجلي (السكلر) الشاب جواد السيد أحمد في مأتم حسن محمود بالمنامة، وكانت عائلته قد تلقت التعازي قبل أربعة أسابيع، بوفاة والدته في مأتم الإحسائيين.
الوالد زميل مدرسة ابتدائية، وهو نائب رئيس مأتم أنصار الحسين بالبلاد القديم، وكان وقع المصاب عليه شديداً، فهو يعيش محنة تفتت عائلته. وهو أحد ثلاثة ضحايا سقطوا في يوم واحد (حسن الحايكي/ 19 عاماً؛ ومعصومة عيسى/ 28 عاماً)، بعد أن أصبح منجل السكلر متنقلاً بين مناطق البحرين حيث أخذ ضحايا مرض السكلر يتساقطون بوتيرة أسرع مما مضى، وسط صمتٍ وإهمالٍ رسمي مريب.
عدد الضحايا استقر في العقد الماضي عند حدود الضحيتين شهرياً، لكنه أخذ في الارتفاع إلى ثلاث ضحايا في السنوات الثلاث الأخيرة، مع استمرار الصمت والإهمال الرسمي المريب.
كان مرضى السكلر يئنون ويشكون من مجموعة سياسات خاطئة، تبدأ من التعامل المسيء ولا تنتهي عند صرف الدواء وتوفّر السرير للحالات الطارئة. وكان قسم الطوارئ نفسه - ملجأهم الأخير - غارقاً خلال الأعوام الماضية في مشكلات معقدة، فكيف إذا غرق المركب؟
ومع التقلبات السياسية في العامين الأخيرين، وما شهده مجمع السلمانية الطبي من إجراءات، كان أكثر المتضررين مرضى السكلر.
كتبنا عشرات المقالات على امتداد السنوات السابقة، وكان يستفزنا سقوط ضحايا جدد فنكرّر صرخاتنا لاستفزاز ضمير وزارة الصحة الميتة، التي تناوب عليها خمسة وزراء خلال عشرة أعوام، دون أن تشهد خطوةً واحدةً مسئولة باتجاه إقرار معالجة إنسانية لملف مرضى السكلر الذين يبلغون 18 ألف مواطن، يراجع 4 آلاف منهم المستشفى بشكل مستمر.
كان بعض الوزراء يقدّمون وعوداً خلابة، وبعضهم لم يُعَنِّ نفسه حتى بتقديم الوعود. والوزير الأخير وعد بقرب افتتاح مركز متخصص، وأرسل مندوباً ليشارك أعضاء الجمعية احتفالهم قبل أسبوعين باليوم العالمي لمرضى السكلر، وكتب مقالاً نشرناه بالمناسبة... وكان الله غفوراً رحيماً.
المشكلة ليست طارئةً حتى تحتاج إلى جلسة طارئة لمناقشة بروتوكول مرضى السكلر! فهذا البروتوكول كانت تطالب بمناقشته الجمعية قبل سنوات، ولكن الوزراء والوزيرات والوكلاء والوكيلات، كانوا يتعاملون معه بمنتهى الصمم والإهمال. وكان مجرد مناقشته يحتاج إلى صدماتٍ من هذا النوع، بفقدان ثلاثة شبان في يومٍ واحدٍ، ونشر فجائع اجتماعية ومآسٍ أسرية بهذا الحجم، حتى ينزل الجماعة من أبراجهم العاجية ليتفضلوا بمناقشة البروتوكول! وماذا بعد البروتوكول؟
المفارقة أن الوزارة تعرف جيداً قصة مرض السكلر، ولاشك أن الوزراء الذين تعاقبوا على مقعد الوزارة قد مر على طاولتهم هذا الملف ولو لماماً... ولكن كان للإهمال الكلمة الفصل.
قبل سنوات في مثل هذا الوقت، شهدت فرنسا ظاهرة ارتفاع أعداد وفيات كبار السن في المستشفيات الحكومية، بصورة مريبة، واكتُشف أن السبب خروج عددٍ كبيرٍ من الممرضات في إجازة الصيف، ما أدى إلى نقص الكوادر التي تقوم برعايتهم، مع ارتفاع درجات الحرارة ذلك العام. ووجد الوزير نفسه محرجاً وعرف المعروف فاستقال، لأنه مسئول أدبياً وأخلاقياً عن أرواح من قضوا نحبهم بسبب تقصير موظفيه.
نحن لا نطالب باستقالة أحد من منصبه، وزيراً ولا وكيلاً ولا عاملاً في المطبخ! نطالب فقط بأن تستيقظ الضمائر، مع «التكرّم» بوضع خطة طوارئ لإنقاذ أرواح هؤلاء المرضى، الذين وضعهم حظهم البائس بأيدي طاقمٍ لا يرحم.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3592 - الأحد 08 يوليو 2012م الموافق 18 شعبان 1433هـ