العلاقات التركية الايرانية
تقرير: حيدر الجراح
شبكة النبأ: يرى الكثير من الباحثين والخبراء في العلاقات الايرانية التركية عددا من نقاط التنافس والالتقاء بسبب الموقع الجغرافي لكل من الدولتين ومصالحهما المشتركة والمتقاطعة على اكثر من جهة.
كان مفهوم (تصفير المشكلات مع البلدان المجاورة) الذي طرحه داوود اوغلو وزير الخارجية التركية في كتاب(العمق الاستراتيجي) أن تصبح قادرة على إقامة علاقات عقلانية وصولاً إلى إبرام الاتفاقيات العابرة للحدود القومية ومضاعفة النفوذ الإقليمي. غير أن بقاء هذه البلدان المجاورة محصورة بسورية المعزولة وإيران المرشحة لـ"ضربة استباقية" يؤدي إلى تغيير الأمر. إذا كان هناك أي قدر من العقلانية في العلاقات الوثيقة المبنية مع سورية وإيران فإننا لا نرى أي ترحيب بها في إطار التحالف الغربي وأي تعزيز لـ "نفوذ تركيا الإقليمي". كما يقول قدري غورسل الخبير التركي.
يُزعم أن(تصفير المشكلات) ذو محتوى متعدد الأبعاد. وإذا كان أحد هذه الأبعاد هو التحالف مع الغرب الذي هو في حالة صراع ونزاع مع المحور السوري ــ الإيراني، وأن تقوم تركيا بـتصفير مشكلاتها مع إحدى هاتين الدولتين (إيران أو سورية) يعني أن تعاني من صعوبات ومشكلات في علاقتها مع الغرب.
وتصفير المشكلات مع هاتين الجارتين يعني وجود مشكلات كثيرة في العلاقات مع كل من الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل.
بالغ حزب العدالة في تقريب سياسة تركيا الخارجية إلى أنظمة الحكم الشرق أوسطية على نحو غير متوازن، بما أدى إلى إثارة فيض من المشكلات.
واكتشفوا أنهم بالغوا في النفخ بمعنوياتهم وبقدراتهم على إحداث التغيير وأخطأوا عندنا ظنوا أن بإمكانهم التفرّد بإدارة الشرق الأوسط من دون قوتيه التقليديتين: السعودية ومصر. حتى أن الأميركيين الذين عوّلوا عليهم في حلّ الأزمة السورية عاتبوهم بقوة، وقد عبّرت إدارة الرئيس بارك أوباما عن خيبة أملها من المقاربة التركية للملف السوري، (وهذا غير جائز، فتركيا لا تصنع المعجزات، صناع قرارها يبالغون أحيانا ويخلقون هذا الانطباع بقدرتهم على إدارة هذه الملفات كلها، لكنها في الواقع أكبر من قدراتهم» كما تقول صبيحة غوندوغار وهي باحثة تركية.
ومن المعلوم أن مفهوم "تصفير المشكلات مع البلدان المجاورة" برز من جديد نتيجة النقاش الدائر حول "الدرع الصاروخية "قبل سنوات عديدة.
وحسب معهد كارنيجي فان الطموح التركي للشرق الأوسط يتبلور على الشكل الآتي:
أولا، تطمح تركيا الى لعب دور إقليمي في الشرق الأوسط تحديدا وهي منطقة حيوية بالنسبة اليها كما البلقان والبحر الأسود. كما تطمح لأن تكون القوة الاقتصادية العاشرة في العالم بعد 10 سنوات.
ثانيا، تحرص تركيا في سياستها الخارجية على إرساء التوازن بين مصالحها الداخلية والخارجية، فتعمل بطريقة براغماتية داعمة لمطالب الشعوب بلا تدخل مباشر.
ثالثا، تعتبر تركيا أنها قد تخسر على المدى القريب من تريثها وامتناعها عن دعم بعض الثورات العربية كما في ليبيا حفاظا على مصالح رعاياهم، لكن «الربيع العربي» سيكون مفيدا لها على المدى الطويل، والدليل الأكبر عودة العلاقات التجارية مع ليبيا وازدهارها بعد تغيير نظام معمر القذافي.
علاقة تركيا وإسرائيل التبست بسبب سلوك الدولة العبرية «بعد ان أقامت تركيا علاقة جيدة مع إسرائيل ولعبت دور الوسيط مرارا بينها وبين سوريا تراجعت عما كانت عليه في تسعينيات القرن الفائت بسبب القرارات الإسرائيلية التي أزعجتها، ومنها مثلا العدوان الإسرائيلي على غزة»، بحسب ميسوت أوسكان مدير «المركز الاستراتيجي للدراسات في وزارة الخارجية التركية».
تحكم المصلحة الاقتصادية والتجارية العلاقة الخارجية التركية، لكن أنقرة تدرك أنه لا يمكن أن يكون لها دور في المنطقة بدون أن تحمل قضايا العرب. يقول مدير منتدى الوسطية الدكتور وسيم قلعجية: «ليس العالم العربي بالنسبة الى تركيا بدلاً عن ضائع وورقة تقف بها على أبواب الاتحاد الأوروبي، وهي تدرك أن لا مكان لها في الشرق الأوسط إلا إذا وقفت مع قضاياهم وأبرزها القضية الفلسطينية».
تسلط تركيا في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط على أربعة عناصر هي بحسب شعبان كرداش الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة «طوب» في أنقرة: تحولها نحو العناصر الجيو سياسية في الشرق الأوسط وأخذها في الاعتبار توازنات القوى المحلية في البلدان العربية، تركيزها المتزايد على القيم، أي الديموقراطية والحوكمة والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، منتقلة بسياستها من الليبيرالية الاقتصادية الى الليبيرالية السياسية ايضا، تعيد تمتين علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف «الناتو»، ما ينعكس حكماً على علاقاتها مع دول المنطقة، وخصوصا إيران، اعتمادها «القوة الناعمة» وعدم استخدام الأدوات الإكراهية».
لم تتخل تركيا بحسب كرداش عن سياسة «تصفير المشاكل» لكن المحيط العربي تبدل بفعل «الربيع العربي»، «الذي أظهر محدودية الرؤية التركية في المنطقة وزيادة تأثير العامل الأمني الذي بات من الأولويات التركية في سياستها الخارجية»، ويعتبر كرداش أن «تركيا تعمل حاليا على تعديل أولوياتها وهي نجحت في التكيف مع بعض المتغيرات في بعض البلدان على الرغم من قصورها لناحية التوقعات حيال التطورات المستقبلية للشرق الأوسط الذي أظهرت ديناميات دوله ان تركيا ليست بالقوة التي تظن نفسها بها».
فجأة غاب شركاء تركيا التقليديون، واكتشفت أنقرة أن عليها التكيف مع شركاء جدد لها في العراق وفي سوريا وبقية دول «الربيع العربي»، ويبدو أن زيادة المخاطر الأمنية تدفعها الى مضاعفة تعاونها مع أميركا وحلف «الناتو». عادت الحياة الى مبدأ أوغلو القائل «بالتوازن بين الحريات والأمن».
بسبب الازمة في سوريا، توسعت الهوة بين تركيا وإيران لأن تركيا تريد محيطاً مستقراً وانتقل التوتر الى العراق حيث تقلق تركيا من سياسات نوري المالكي «التي تحاول الحفاظ على السلطة على حساب مجموعات اخرى». وتقول ماريا فانتابي وهي باحثة إيطالية زائرة في «مركز كارنيغي» ان «الأزمة السورية أعادت خلط الأوراق، وخصوصا بالنسبة الى أكراد إقليم كردستان وأكراد سوريا، وهم مشكلة أمنية ايضا بالنسبة الى تركيا».
وثمة شعور بأن الأتراك دخلوا الى ملعب الشرق الأوسط بطريقة ارتجالية، وقد رصد الخبير الاستراتيجي التركي تيمور غوكسيل التبدل الأول في السياسة الخارجية التركية بعد حرب إسرائيل على لبنان في تموز عام 2006، ولم يكن التحرك رسميا واعيا، بل جاء من جمعيات المجتمع المدني التي بادر أعضاؤها الى التوجه الى لبنان لتقديم المساعدة لسكان الجنوب. يروي: «أذكر أن شخصين اثنين جاءا بناء على رغبة رئيس بلديتهم في قرية صغيرة قرب اسطنبول، وذهبوا الى قرية قرب بنت جبيل في شهر رمضان حين كان الجنوب مدمراً وحولا مدينة الملاهي الى مطبخ كبير مستعينين بأبناء المنطقة ووزعا 18 ألف وجبة إفطار لـ22 قرية جنوبية… هذه هي «القوة الناعمة» التي بدأت تركيا تعتمدها في سياستها الخارجية غداة حرب تموز 2006».
ينتقد غوكسيل «الثقة المبالغ بها لدى المسؤولين الأتراك واعتمادهم لغة تسبب الحساسيات لدى العرب مثل اعتبار الأزمة السورية جزءا من الملف الداخلي التركي، أو حديثهم عن قيادة المنطقة» معتبرا أن الخطر الأكبر هو «اتخاذ تركيا موقفاً مع أحد أطراف الصراع في المنطقة بين السنة والشيعة».
يشير غوكسيل الى أن «العلاقة بين تركيا وإيران دقيقة وهي تقوم على المصالح الاقتصادية، فإيران هي أحد المزودين الرئيسيين في النفط والغاز الطبيعي لتركيا، وخفضت تركيا اخيرا صادراتها من إيران بعد ضغوط أميركية، ما أثار حفيظة إيران التي ينتقد الحرس الثوري فيها تركيا. تعلم تركيا ان إيران لن تتخلى عن سوريا ولا أعتقد أن الحساسية ستتطور الى خلاف أكبر، فتركيا هي نافذة إيران للعالم الخارجي وثمة حاجة اقتصادية متبادلة للبلدين لكن العلاقة لن تتحول الى علاقة صداقة».
ويرى محمد نور الدين الكاتب والباحث اللبناني ان ثمة تطورين مهمين بدّلا من السياسات التركية المتبعة:
الأول موافقة تركيا على نشر رادارات الدرع الصاروخية في الأراضي التركية في قمة لشبونة في خريف 2010 أي قبل اندلاع الثورات العربية. والثاني نشوب الثورات والاحتجاجات في العديد من البلدان العربية ولا سيما في سوريا.
ورغم تكرار المسؤولين الاتراك أن الدرع الصاروخية ليست موجهة ضد إيران ولن تستخدمها تركيا ضد إيران، فإن أحداً لم يصدق مثل هذا الكلام خصوصاً أن الرئيس الفرنسي السابق نيقولا ساركوزي قال حينها إنه لا فائدة من التعمية على الهدف من الدرع الصاروخية في تركيا، وهو مواجهة الصواريخ البالستية الإيرانية وإنه يجب أن نقول للقطة السوداء إنها سوداء أي أن الهدف هو إيران، وليس من شك في أن الدرع الصاروخية تستهدف إيران إضافة إلى روسيا.
أكثر من ذلك فإن هذه المنظومة تخدم وفقا لمسؤول عسكري أمريكي الأمن “الإسرائيلي” حيث سيكون الرادار في تركيا قادراً على اكتشاف أي صاروخ إيراني قبل أن تكتشفه الرادارات “الإسرائيلية” بثلاث دقائق. وفي الاستعدادات العملية بدأت الدرع في العمل منذ أسابيع عدة وربما منذ مطلع العام الحالي.
يؤكد نشر الدرع الصاروخية أن تركيا لا تزال أمنياً تابعة لحلف شمال الأطلسي، وهو ما يؤثر سلباً في علاقاتها مع القوى المعادية للغرب.
الحدث الثاني الذي ترك أثراً جذرياً سلبياً في العلاقات التركية - الإيرانية هو اندلاع الثورات في العالم لكن الاحتجاجات في سوريا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
إيران تدافع بشكل كامل عن النظام السوري والرئيس بشار الأسد، فيما تقود تركيا حملة قاسية منذ بدء الأحداث لإطاحة الأسد ولم تتردد في تسخير كل الطاقات لهذا الهدف من تنظيم المعارضة السياسية والعسكرية السورية ومدها بالأسلحة وتوفير الملاذ لها وحشد الدعم الدولي لها وآخرها مؤتمر “أصدقاء سوريا” في اسطنبول. وتركيا هي الوحيدة التي لا تكل في البحث عن أفكار وصيغ لإبقاء النظام السوري تحت الضغط.
ولا ترى إيران في الموقف التركي الحاد سوى وسيلة لإضعاف التأثير الإيراني في المنطقة بإسقاط الحلقة السورية ومن بعدها العراقية، فتُعزل إيران ويضمر دورها على أكثر من مستوى سياسي وعسكري ومذهبي.
وفي اخر مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية حول تدهور العلاقات التركية ـ الإيرانية والذي رات فيه ان الملف السوري هو السبب الرئيسي لهذا التدهور.
وقالت المجلة ان العلاقات التركية الايرانية باتت تشهد نوعاً من التدهور بسبب اختلاف وجهات النظر حيال التعامل مع الازمة السورية وكذلك فيما يخص جهود طهران النووية.
واضافت أنه "مع تصاعد التوترات بين الغرب وإيران بشأن برنامج البلاد النووي، بدأ يتحدث بعض المحللين الغربيين عن أن علاقة تركيا بإيران تتعرض على ما يبدو أيضاً لحالة من التدهور".
وتقول المجلة إلى أن الدولتين الجارتين، اللتين كونتا على ما يبدو مؤخراً علاقة صداقة قوية، وجدتا أنفسهما الآن على طرفي نقيض من الصراعات الحاصلة في سوريا والعراق والبحرين، في الوقت الذي ظهر فيه قرار تركيا باستضافة الدرع الصاروخي لحلف شمال الناتو على أنه نقطة خلاف أخرى. واوضحت المجلة أنه "مما لا شك فيه أن المعركة التي اندلعت بين إيران وتركيا بشأن فرض الهيمنة على الصعيد الإقليمي قد احتدمت مؤخراً في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن من تغييرات تاريخية".
ففي سوريا، تخلت تركيا عن صداقتها الوطيدة بالرئيس بشار الأسد وبدأت تقود الجهود الدولية لدعم المعارضة السورية، فيما ظلت إيران باعتبارها واحدة من أنصار نظام الأسد القلائل، ومازالت تمده بالسلاح وأجهزة المراقبة وتقوم بتدريب القوات الأمنية السورية في الوقت الذي تخمد فيه الاحتجاجات بوحشية.
وأشارت فورين بوليسي كذلك إلى وجود مصالح متضاربة لكل من تركيا وإيران في البحرين، حيث تسعى ايران للتأثير على حركة الاحتجاجات التي تهيمن عليها أغلبية شيعية، في الوقت الذي هبت فيه تركيا لمناصرة ملكية آل خليفة السنية التي تأمل أن تبقي على متانة العلاقات الاقتصادية القائمة بينهما. ويرى بعض الخبراء في هذا الشأن أن مثل هذه التطورات تعكس وجود صراع طائفي بين تركيا السنية وإيران الشيعية.
ثم مضت المجلة تتحدث عن ماضي علاقات الدولتين، رغم حالة الشد والجذب وعدم الثقة بينهما. ولفتت إلى أن البعض اتهم تركيا خلال الآونة الأخيرة بمضيها ناحية الشرق بسبب تعاونها الوطيد مع محور "المقاومة" المكون من ايران وسوريا وحركة حماس بالاتساق مع تصاعد التوترات مع إسرائيل. وفي واقع الأمر، كانت تسعى تركيا دائماً لإحداث توازن بين علاقاتها المكتشفَة حديثاً مع الدول الشرق أوسطية وبين التحالف القائم منذ عقود مع الغرب.
وختمت فورين بوليسي بالقول إنه وحيث يمكن لمصالح أميركا وتركيا أن تتلاقى، كما يفعلان الآن بشأن الحد من نفوذ ايران الإقليمي، فإنهما لابد وأن يُسرعا للاستفادة من تلك الحقيقة. وبات لزاماً عليهما أن يتجنبا أي خلافات مستقبلية قد تحدث بينهما، وهذا أمر وارد، وأن يواصلا الجهود المبذولة سعياً وراء تحقيق أهدافهما العديدة المشتركة.
شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/أيلول/2012 - 1/ذو القعدة/1433