السلطة التشريعية وبناء الدولة المدنية
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: ليس هناك مغالاة، إذا قلنا أن الدول تقاس من حيث تقدمها وتخلفها، وفق المعيار التشريعي ومدى حضوره وفاعليته، فكلما كانت المؤسسة التشريعية فاعلة مستقلة قوية مؤثرة، كلما كانت الدولة أكثر قربا من المفهوم المدني المعاصر للدولة، وأكثر قدرة على حماية الحريات، وضمان الحقوق، والاحتكام الى سلطة القانون بعيدا عن سلطة الانتماء العرقي او الديني او المذهبي او المناطقي، فالكل في دولة كهذه، يخضع لسلطة القانون الذي يقف في الدول المتقدمة بمسافة واحدة من الجميع، بغض النظر عن قوة النفوذ أو ضعفه.
على عكس ما يحدث في الدول المتأخرة، حيث يضعف او يغيب دور السلطة التشريعية، واذا حضر فإنه يكون ذا دور منحاز لمن هو أقوى، لذلك على مدى التاريخ العراقي المعاصر والمنظور، غالبا ما تصطف المؤسسة التشريعية الى جانب الحكومة المستبدة، فتكون تابعة للسلطة بصورة تامة، بل في الغالب الذراع تشكل الطويلة التي تستخدمها الحكومة ضد شعبها، لأنها سلطة تشريعية لا تمثل الشعب، بل هي صناعة شكلية تقوم الحكومة بانتاجها وفقا لمقاساتها وحماية مصالحها ومناصبها.
في المشهد السياسي العراقي الراهن، سنقول بصورة مباشرة ومن دون محاباة او تردد، أن السلطة التشريعية لم تبنَ بالطريقة الصحيحة، ولم يؤسَّس لها كما يجب، لذلك لم تحصل على المكانة الصحيحة التي حصلت عليها في البلدان المتقدمة، كما أنها في العراق لم تحقق الفاعلية المطلوبة منها، والسبب كما يتفق الجميع أنها سلطة غير مستقلة، بسبب الانقسام الواضح بين اعضائها (النواب وعددهم 325 عضو)، إذ ينتمي هؤلاء الى احزاب مختلفة ومتخالفة والى كتل متصارعة، فضلا عن الانتماء العرقي والديني والمناطقي لاعضائها، والذي يفعل فعله في زيادة حالات الضعف والصراع والانقسام، لذلك نصل بالنتيجة الى غياب الدور التشريعي المطلوب لبناء الدولة وهيبتها كما يجب.
صحيح أن العراق يمر بتجربة لا تزال تنطوي على اخطاء كبيرة وكثيرة، وكلنا نتفق على أن الارث ثقيل ومعقّد، ولكن من يحكم الآن ومن يقود السلطة ومؤسسات الدولة، هم ثوار الامس، أولئك الذين عاشوا في المنافي عقودا، ثم عادوا بعد اطاحة النظام السابق، كمناضلين ثوريين متنورين، باعتبار ان معظمهم كانوا يعيشون في مجتمعات غربية متطورة، لذلك كان المتوقَّع منهم نقل خبراتهم المستقاة من عيشهم في دول تتصدر العالم اجمع في الاستقرار والتطور، ولكن للاسف ما حدث خلا عشر سنوات مضت، أمر يتنافى مع توقعات العراقيين بقادتهم، بل يتناقض مع توقعات العالم اجمع، الذي أكد أن العراق دخل عالم القوة في الاقتصاد والسياسة وسواهما.
ما ينبغي على اعضاء السلطة التشريعية في العراق معرفته والايمان به، أن الدولة العراقية من حيث القوة والثبات والتقدم والانتماء الى العصر، تعتمد على مؤسستهم، هذا الامر لا نقاش فيه ولا خلاف حوله، ويمكن الاعتماد هذا الجانب على المعادلة التي تقول (اعطني سلطة تشريعية قوية مستقلة، أعطيك دولة مدنية)، تُرى هل استطاعت المؤسسة التشريعية في العراق ان تحقق هذا الهدف؟ ونعني به هدف بناء الدولة المدنية؟.
إن الاجابة لا تحتاج الى عناء كبير، فالواقع السياسي الذي يعيشه العراق منذ عشر سنوات، يؤكد، أن المؤسسة التشريعية فشلت في تحقيق استقلالها، وفشلت فشلا واضحا في تحقيق وحدتها، كما أنها لم تفلح في تطوير المعارضة الايجابية التي تسهم في تعضيد السلطة التشريعية ولا تعيقها، وهذه الملاحظات التي يعكسها الواقع السياسي ليست غائبة عن اعضاء البرلمان العراقي، انهم جميعا يعرفون هذه الملاحظات لانها واضحة امامهم، كما انهم السبب في ظهورها و وجودها، وهي معوقات جدية تهشم الاسس والدعامات القوة للسلطة التشريعية، وبالتالي تشكل عائقا جديا لبناء الدولة المدنية، وقديما قيل اذا عرف السبب بطل العجب، إذن ينتظر العراقيون من المؤسسة التشريعية أن تصحح أخطاءها التي تعيق بناء الدولة العراقية القوية.
شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/تموز/2013 - 11/رمضان/1434