عندما هوى المحراب دامياً
لوحة جميلة من اللوحات السماوية التي أهداها الخالق لعباده كي يعيش أجواء هذه الليلة الأليمة، قبل وقع الحدث والصدمة الكبرى، كانت لوحة قمراء جميلة ساحرة يكسوها فضاءً أزرقاً داكنا مرصعاً بالنجوم والكواكب والشهب، ساكناً كسكون الريح يتوسطهما هلالاً أبيض ناصعاً يملأ الكون بهجة وجمالاً، يسبق الضربة القاضية فتتساقط قطرات دم طالما اختلط هذا الدم بدم أشرف الخلق، إلا أن هذا الدم سيراق في سكون الكون الفسيح.
النجوم والكواكب تسابقت في التسبيح والتهليل لجلالته مع بعضها البعض وتواصلت عن طريق الشهب السريعة في هذه النسخة الربانية التي اكتساها الكون فرحاً وابتهاجاً بقدوم ليث الليوث، وسيد الشعر والحروف، وأمير المعارك والسيوف، ولكن كيف سيكون هذا الاستقبال وهذا القدوم، هل سمعتم عن قدوم كهذا القدوم لهذا الطود العظيم؟ وكيف ستكون هيئته، هل سمعتم عن أسد جريح، نعم سيكون معصوب الرأس، ومخضب الوجه بالدماء؟ فاقداً الوعي، محمولاً على أكتاف أبنائه (الحسنين) من محرابه إلى بيته، يا الله! فأنا يكون ليثاً وسيفاً وفارساً مغواراً وهو هكذا، وأنا يكون بدراً أو هلالاً أو قمراً وهو مجروحاً يقطر دماً ويزداد صفرة... بعد أن كان بازغاً متلألئاً كالقمر في تمامه وكماله «أدن أذان الله ما أحلى أذانه» فلم يدم للكواكب وللنجوم هذا التسامر طويلاً، إذ فجأة غابت النسخة الزرقاء لتحل محلها النسخة الحمراء القانية، وكأن سيف الغدر والمكر والنفاق سطا على هذه اللوحة وتجرأ على هذا الهلال الجميل، فسالت الدماء من المحراب كالميزاب، يالله سأل الكون ماذا جرى؟ لماذا استبدلت النسخة الزرقاء الداكنة بالنسخة الحمراء؟ وأي هلال هذا الذي هوى؟ إنه هلال الشهر العظيم، وليلة القدر وليالٍ عشر والشفع والوتر، إنه هلال شهر رمضان كله، فكيف يهوي؟ وأي قطرات دم هذه التي سكبتها يا محراب، رد المحراب بنبرة ملؤها البكاء والنحيب: إنه دم ليث الكتيبة.
يئن أنين العارفين، ويناجي مناجاة العابدين، ولن أشجو مع ترتيل قرآنه قبل الفجر، ولن أسمع استغاثاته وآهاته أمام خالقه، ولن تراه بعد اليوم الأرامل ولا المساكين ولا الأيتام.
مهدي خليل