سوالف
عفواً يا دكتور... أنتم سبب انهيارنا الحضاري!!
الجمعة 02 أغسطس 2013
لا يجب أن نأخذ من ثقافة الآخرين، فنحن أمة تمتلك من الثقافة الشيء الكثير، بل يجب على الآخرين أن يأخذوا من ثقافتنا.
هذا مع الأسف كلام دكتور جامعي استضافته مؤخرا إحدى الفضائيات العربية، وقد حاولت مرارا أن اتصل بالبرنامج لكي أرد على هذا الدكتور دون جدوى، نظرا لكثرة الاتصالات. ما أردت قوله للدكتور:
ما من ثقافة في العالم تعيش أو تظهر منعزلة عن غيرها من الثقافات، وإذا هي انعزلت ظلت فقيرة، منطوية على نفسها غريبة في محيطها، فلا تمضي عليها مدة من الزمن، وهي على تلك الحال، حتى يسري إليها الجمود، وتجف عروقها وتندثر!.
إن أكثر الثقافات في تاريخ العالم يا دكتور يا محترم كانت تستهل وجودها كنهضة بالاقتباس من غيرها، والإقبال على الترجمة والإفادة من الرحلات. كان أجدادك العرب الأولون يقولون.. إن الحكمة ضالة المؤمن ينشدها حيث وجدها.. وغاية يجاهد المجاهدون من اجلها ويضحون في سبيلها. وهذا ما أعانهم كل العون على فهم الشعوب ويسر لهم سبل التعاون معها.
لقد نسيت يا دكتور أن أول ما يفرضه التعاون بين الناس، إنما هو الفهم المتبادل بحيث يقدر كل فرد منهم ظروف غيره من الأفراد، ويدرك ما لدى الآخر من الكفاءات، والإمكانيات والوسائل، وطاقات العمل.. والثقافة الصحيحة التي ربما لا تعرف عنها شيئا وأنت في هذا المنصب، هي تلك التي تقتضي من صاحبها مرونة وقدرة على الاستيعاب والتسامح، مما يجعل صاحبها قادرا على إفهام الآخرين انه يريد بهم الخير ويضع مواهبه في خدمتهم... الثقافة الصحيحة هي التعاون بين جميع الأطراف، على الخير العام المشترك.
ان دعوتك هذه يا دكتور تؤكد أننا مازلنا نعاني من الانهيار الحضاري الذي أصابنا، ومازلنا نائمين تحت أنقاض الماضي، فأنت ومن معك تدعون لأمتنا العربية التفوق، وتتباهون بالمظاهر الفارغة وتحتقرون الغير، وهذا الجهد كلفنا الكثير، بل ورد المجتمع إلى وضع تعس لا يملك معه الناس أن يتفاهموا ولا أن يتعاونوا رغم ما اوجدوا من لغات، وجامعات ومؤسسات وكل ما لديهم من علوم وآداب وفنون.
جلست تتحدث لأكثر من ساعة عن عزل الفكر العربي عن ملوثات الغرب النجس كما أسميته.. في حين أن السمة الكبرى للنهضات الثقافية في العالم، إنما هي تواصل الشعوب، واطلاع الشعب الأخذ بالنهوض على ثقافات الشعوب الأخرى، والفكر لا يعرف الحدود التي يتواضع عليها البشر، ولا يميز بين لون ولون في انبثاقه، ولا بين جنس وجنس، ولا بين بلد وبلد.
إن الفكر العربي يا دكتور ولد من خلال مناظرات طويلة معمقة مع جميع مدارس الفكر القديمة، فتمثل ما شاء أن يتمثل، ورفض ما شاء أن يرفض بكل جرأة وبسالة ودون أن يحس بالهزيمة أمام أعلى صور الفكر الحضاري.
اسمح لي يا دكتور أن أقول لك: إن الطريق التاريخي الذي نجتازه اليوم لا يحتمل مهرجانات التضليل التي تشارك فيها أنت وزملاؤك، فنحن عشنا جميع تناقضات العالم دون أن نحس بأي التزام.